الكويت - الموسيقى جزء لا يتجزأ من ثقافة الشعوب تترجم واقعها الاجتماعي ومستواها الثقافي وذوقها الفني وتبرز من خلاله شخصيات تعكس مراحل ثقافية معينة لهذه الشعوب ولا شك أن شيخ الغناء الكويتي الراحل عبدالله فضالة يمثل علامة مميزة في مسيرة فن الغناء الكويتي بمراحله كافة.
وترك فضالة الذي يصادف غدا الذكرى ال48 لوفاته بصمة كبيرة في الفن الكويتي إذ يعد أحد مؤسسي "الأغنية الكويتية" وهو المطرب والملحن والشاعر الذي يتمتع بموهبة كتابة القصيدة باللغة الفصحى وباللهجة العامية المحلية.
وبدأ الراحل الذي يعد أحد الملحنين الاوائل الذين قدموا أعمالا غنائية خالدة أثرت الساحة الفنية ورسخت في الأذهان لعذوبة كلماتها وألحانها وتميزها الغناء صغيرا بعد أن تعلم العزف على آلة العود واشتهر بكتابة وتلحين وغناء أغلب أغانيه التي تعدت المحلية ووصلت إلى محيطها الإقليمي والعربي.
ولد عبدالله فضالة ارحمه السليطي الشهير باسم "عبدالله فضالة" عام 1900 وأصبح فنانا مؤثرا في الحركة الفنية الكويتية رغم أن ظروفه لم تخدمه كثيرا فقد أصيب بالعمى وهو في الرابعة من عمره لكن عزيمته الكبيرة منحته تحديا كبيرا استطاع من خلاله أن يصنع مجدا فنيا كبيرا لنفسه.
وعمل الراحل في بداياته نهاما حيث كان يصاحب البحارة في رحلات الغوص وبعد كساد البحر اتجه إلى الغناء فسجل أول أسطوانة له في الهند عام 1913 وتأثر بالموسيقى الهندية واليمنية واستخدم آلات موسيقية جديدة في الأغنية الكويتية مثل البيانو مما ميز أغانيه لتصل إلى كل العالم العربي.
ويعد فضالة من أوائل شعراء الأغنية في الكويت حيث لحن العديد من الأغاني الشعبية التي تجاوز عددها 500 أغنية أغلبها من أشعاره كما ساهم في تقديم أغاني فن السامري وأشهرها (ألا واعز تالي) و(طال هجر الحبايب) و(أحرمتني الليالي) كما تغنى بأشعار الأقدمين أمثال (العباس بن الاحنف) و(المتنبي) و(قيس بن الملوح) و(عنترة بن شداد).
وإلى جانب عزف (العود) الذي تعلمه بنفسه أبدع الفنان الراحل بعزفه على أكثر من آلة موسيقية مثل الناي والربابة كما تغنى بفن (الصوت) ببراعة و(السامريات) و(اليمانيات) وله أغان ضاحكة أشهرها (العجائز) تناول من خلالها العجائز والمقارنة بين الفتيات البيضاوات والسمر والسود.
ويعد فضالة أول فنان كويتي يقوم بتسجيل أغانيه في بغداد عام 1927 وفي القاهرة عام 1929 وبعدها سجل أغانيه في الهند كما سجل العديد من الأسطوانات في خمسينيات القرن الماضي بنوعيها "الحجري" و"البلاستيك" وأحيا قصائد الشاعر اليمني عبدالله العلوي الحداد وهو ما نشره الشاعر الكويتي عبد الله الفرج وأحياء هذا الشعر مع زميليه محمود الكويتي وعبداللطيف الكويتي وبعد ذلك فرقة تلفزيون دولة الكويت.
وتغنى بكلماته وألحانه الكثيرون من الفنانين مثل صالح الحريبي الذي غنى له (اسمر عشقته سمر) وحورية سامي وكارم محمود الذي غنى له اغنية (الصبر اجيبه منين) وهيام يونس ومائدة نزهت وبديعة صادق التي غنت له اغنية (يا اللي أسرت الفؤاد) و(مر الزمان وفات).
ولم يكن غريبا أن يتغنى فنانو اليوم بأغاني الراحل عبدالله فضالة إذ أعاد بعضهم توزيع الأغاني وأشهرها (على خدي احط ايدي) و(يابو فهد) و(الا يا هل الهوى) و(الا يا صبا نجد) وغيرها التي لا تزال تغنى في المناسبات الاجتماعية والحفلات والأعراس.
ومن منا لا يعرف أغنية (أهلا أهلا بالعيد) فهي من أشهر الأغاني التي تذاع إلى يومنا هذا بصوت الفنان الراحل عبدالله فضالة في الإذاعات والقنوات المحلية في عيدي الفطر والأضحى من كل عام.
وشغل الراحل منصب رئيس مجلس إدارة جمعية الفنانين الكويتيين وكان عضوا في فرقة الموسيقى بإذاعة الكويت عام 1951 كمطرب وعازف عود وعمل أيضا في لجنة النصوص فيها.
ويحظى المطرب عبدالله فضالة بمكانة عالية في المجتمع الفني الكويتي ومازالت اغانيه تذاع في الإذاعات المحلية ويكرم بالمهرجانات الثقافية الكويتية.
فقد كرم الراحل في الدورة السابعة لمهرجان (القرين الثقافي) عام 2001 الذي أقامه المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب وقدمت الفرقة الوطنية الكويتية للموسيقى حفلة تحت عنوان (ليلة عبدالله الفضالة) الموسيقية تكريما له وإحياء لأغانيه كما كرمته الدولة بإطلاق اسمه على أحد الشوارع الرئيسية في منطقة ميدان حولي.
وتوفي شيخ الغناء الكويتي عبدالله فضالة في 15 أكتوبر عام 1967 اثر وعكة صحية مفاجئة ألمت به في البحرين حيث كان يقضي اجازة خاصة وووري الثرى في الكويت في جنازة مهيبة حضرها جميع أطياف الشعب الكويتي وأبناء الاسرة الحاكمة وكبار المسؤولين احتراما له ولفنه الذي لايزال يتبوأ مكانة في قلب الكويتيين ووجدانهم.
ولم تكن الفنون الشعبية الكويتية القديمة بعيدة عن طبيعة المجتمع الكويتي فقد تطبعت الاحتفالات الشعبية وموسيقاها بطبيعته وجغرافيته ومن أهم هذه الفنون والأغاني والرقصات الشعبية التي تؤديها الفرق الكويتية حتى وقتنا الحالي (العرضة) و(السامري) و(المجيلسي) و(الفريسني) و(الأصوات) و(البستات).
وتعد (العرضة البرية) أغنية شعبية ورقصة حرب وسلام يدور فيها الرجال في حلقة وهم يحملون السيوف بينما تقوم فرقة متخصصة بالغناء والعزف على الطبول بينما تتميز (العرضة البحرية) بألحانها وكلماتها الشعبية الجميلة وظل هذا التراث الغنائي البحري يتوارث جيلا بعد جيل.
ومن الأغاني الشعبية أيضا (النهمة) التي كان يغنيها على ظهر السفينة شخص واحد يطلق عليه اسم (النهام) إضافة إلى عدة أنواع من (النهمة) المصاحبة لكل نشاط يقوم به البحارة أيام زمان ومنها (اليامال).
ومن أبرز رواد الحركة الغنائية الكويتية وأساتذتها الكبار بالإضافة إلى شيخ الغناء الفنان عوض دوخي وسعود الراشد وعبداللطيف الكويتي وغيرهم الذين تتلمذ على أياديهم أشهر مطربي وفناني الكويت المعروفين والمشهورين محليا وعربيا.