راتكو ملاديتش الذي بدأت محاكمته الأربعاء امام محكمة الجزاء الخاصة للنظر في جرائم الحرب في يوغوسلافيا السابقة في لاهاي, كان احد ابرز أقطاب الحرب في البوسنة (1992-1995), لذلك وجهت إليه تهمة الإبادة.
وسيرد ملاديتش على الاتهامات المتعلقة بدوره في مجزرة سريبرينيتسا حيث قتلت قوات صرب البوسنة حوالي ثمانية آلاف رجل وفتى مسلم في تموز/يوليو 1995 .
وقد اعتبر القضاء الدولي مجزرة سريبرينيتسا جريمة ابادة جماعية.
ولدى مثوله للمرة الاولى امام القضاء في لاهاي في حزيران/يونيو الماضي قال الجنرال السابق الذي يدفع ببراءته وقد يحكم عليه بالسجن مدى الحياة, "لقد دافعت عن بلدي وعن شعبي".
وقد بدا ملاديتش آنذاك رجلا مسنا نحيلا يختلف كليا عن الجنرال الذي كان يتجول في 1995 في جيب سريبرينيتسا شرق البوسنة.
ولم يتحدث ملاديتش كثيرا خلال حوالي عشر جلسات للاعداد لمحاكمته, وتركز حديثه على شكاوى من وضعه الصحي.
فمنذ نقله إلى لاهاي بعد ايام على اعتقاله في 26 ايار/مايو 2011 في قرية شمال صربيا حيث كان يختبئ في منزل قريب له, لم يكف ملاديتش وعائلته ومحاموه عن التركيز على مشاكله الصحية.
فالجنرال السابق المعروف بنظراته القاسية, أصيب بثلاث جلطات دماغية في 1996 و2008 وشباط/فبراير 2011 ويعاني من شلل نصفي في الجانب الايمن من جسمه.
كان راتكو ملاديتش يؤكد باستمرار خلال الحرب انه مستعد لشن حرب على العالم اجمع لإثبات "عدالة القضية الصربية".
ويؤكد عسكريون أجانب رافقوه انه "خبير في الخطط الإستراتيجية", يغضب احيانا ويضحك اخرى لكنه يسعى دائما الى كسب ثقة محدثيه.
وبعد اقصائه سنة 1997 على اثر توقيع اتفاقات دايتون للسلام التي انهت حرب البوسنة, استقر ملاديتش من دون ان يتعرض لاي مضايقات, لفترة في قاعدة هان بييساك العسكرية في البوسنة المزودة بشبكة واسعة من الانفاق.
ثم اقام في حي راق ببلغراد تحت حماية الجيش لسنوات عدة. وكان يهوى العناية بالورود وهو ايضا يحب الغناء كما يقول بعض جيرانه القدامى. لكن سيارة عسكرية كانت ترافقه عندما يخرج للتجول حرصا على امنه.
وكان يعتبر حينذاك بطلا تلاحق الصحافة تنقلاته مع قول انه شوهد في هذا المطعم او ذاك. وفي تموز/يوليو 1997 انتقل الى ساحل مونتينيغرو للاستجمام تحت حماية الجيش ايضا.
لكن المجتمع الدولي كان يبدي نفاد صبر, مطالبا بتسليم ملاديتش حتى تتمكن جمهورية صربيا-مونتينغرو من الانضمام الى المؤسسات الاوروبية والاطلسية.
وفي بداية سنوات ال2000, توارى ملاديتش عن الانظار واكدت سلطات بلغراد انه غادر صربيا. ونددت محكمة الجزاء الدولية بعدم تعاون بلغراد.
وكثرت الشائعات حول الاماكن التي يختبئ فيها. فقيل حينا انه في بلغراد, وحينا في مجمع عسكري لصرب البوسنة او انه يقوم بتربية النحل في فالييفو على بعد مئة كيلومتر غرب العاصمة.
ولد ملاديتش في 12 اذار/مارس 1942 في بوزينوفيتشي (شرق البوسنة). وكان في الثانية من عمره عندما اغتال عناصر من الكروات الموالين للنازيين (اوستاشي) والده, وظل يعتبرهم مثل المسلمين, من ألد أعدائه.
وقد نصب ملاديتش الذي يتعطش للانتقام, نفسه مدافعا عن الشعب الصربي الذي كان "مهددا بعملية ابادة وبالزوال أمام زحف الإسلام", كما كان يقول, مرددا بذلك صدى مواقف لسلوبودان ميلوسيفيتش.
في حزيران/يونيو 1991 كلف ملاديتش عندما كان برتبة كولونيل في بريشتينا (كوسوفو) بتنظيم الانفصاليين الصرب في كرواتيا الذين اعلنوا جمهورية صربية في كرايينا اتى عليها الكروات سنة 1995.
وتمت ترقيته إلى رتبة جنرال في ايار/مايو 1992 واصبح قائد جيش صرب البوسنة الذين اعلنوا جمهوريتهم رافضين العيش "اقلية" في بوسنة مستقلة.
برز ملاديتش آنذاك عندما قاد, بدعم بلغراد, معارك عنيفة من اجل فتح "ممر" حيوي نحو الشمال يربط أراضي شرق وغرب البوسنة التي تسيطر عليها قواته.
وأعلن آنذاك ان "الحدود رسمت دائما بالدم والدول بالقبور".
وأسفرت تلك الحرب عن سقوط مئة ألف قتيل و2,2 مليون نازح.