المنامة - تحتفل الكويت بعيدها الوطني المجيد، تلك الذكرى العزيزة على قلب كل مواطن كويتي، والتي يحتفي بها كل أبناء دول الخليج والعالم العربي مع إخوانهم في الكويت تجسيدا لمعاني الوفاء والتضامن والجسد الواحد بين شعوب المنطقة وبعضهم البعض الذين يربطهم مصير وهدف مشترك.
وتعبر هذه المناسبة التي تجد لها صدى كبير لدى كل أبناء البحرين خاصة، عن العديد من المعاني، لعل أبرزها: تلك المشاركة الوجدانية التي يقدمها أهل البحرين الكرام مع كل ذكرى وطنية تمر بشعب الكويت الشقيق، هؤلاء الذين استطاعوا بفضل إيمانهم القوي وقدرتهم على الصمود وانتمائهم لأرض بلادهم وحبهم لقادتهم والتفافهم حولهم اجتياز مرحلة صعبة من تاريخهم لا يمكن أن يمر بها وينجح في مواجهتها غير أولي العزم من الشعوب الذين وهبوا أنفسهم لأوطانهم، وبذلوا الغالي والنفيس من أجل أن تحيا، وهو المعنى ذاته الذي يقدمه البحرينيون كل يوم في مواجهة الأحداث التي مرت بهم طوال تاريخهم الحديث والمعاصر.
وتمتاز العلاقات البحرينية الكويتية بأهمية خاصة بالنظر للرعاية التي يوليها قادة البلدين لها بهدف تعميقها وتطويرها وتعزيز السبل المناسبة لتنميتها، وهو ما يتبدى في حرص مسؤولي البلدين وعلى كافة المستويات وفي كل المناسبات لفتح مجالات جديدة للتعاون والتنسيق، وبما يلبي تطلعات الشعبين الشقيقين، وبما يجعل العلاقات الأخوية والتاريخية بينهما نموذجا لما ينبغي أن تكون عليه العلاقات الثنائية بين الدول العربية وبعضها البعض.
ويتعين التأكيد على أن علاقات الأخوة والصداقة البحرينية الكويتية تتمتع بخصوصية فريدة مثلما أكد على ذلك حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسي آل خليفة عاهل البلاد المفدى وصاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء في تصريحات سابقة، ويدعمها في ذلك العديد من العوامل، لعل أكثرها أهمية أنها قديمة قدم التاريخ وأرساها الأجداد والآباء، وتعززت بفضل وشائج القربى والنسب التي ازدادت عمقا عبر السنوات، سيما في مطلع التسعينيات من القرن الماضي عندما استضافت الكثير من بيوت أهل البحرين الكرام أشقائهم من الكويتيين والكويتيات، وشاركت عناصر من قوة دفاع البحرين إخوانها في تحرير الكويت.
كما أنها امتدت وتنوعت خلال العقد الأخير لتفتح آفاقا جديدة للتعاون والتكامل بين البلدين، خاصة في المجالات الأمنية والعسكرية والثقافية والتعليمية وغير ذلك من مجالات عمل غير تقليدية، وهي المجالات التي اتسعت بفضل رؤى ومواقف قادة البلدين المتناسقة والمتناغمة إزاء العديد من الملفات المحلية والإقليمية والدولية، وهو ما تأكد أكثر مع الأحداث التي مرت بالبحرين عام 2011، وكانت الكويت كغيرها من الأشقاء الخليجيين نعم السند والداعم والمعاون للبحرين في مواجهتها لتداعيات هذه الأحداث.
ولعل من المهم الإشارة إلى مدى التقدم المستمر في العلاقات الثنائية بين البلدين على مختلف الأصعدة، والجهود المبذولة من جانب الدوائر المختلفة، السياسية منها والاقتصادية والبرلمانية وكذلك الشعبية والأهلية، لدعم أواصر الأخوة والعلاقات المشتركة، ويؤكد ذلك أن حجم التبادل التجاري بين البلدين حسب بعض التقارير بلغ في العام 2011 نحو 95 مليون دولار مقارنة بـ 78.7 مليون دولار في العام 2010 بنسبة ارتفاع بلغت 17%.
وتتوالى الجهود المشتركة التي يبذلها مسؤولو الدولتين في المجالات كافة كي تحقق معدلات التبادل التجاري الطموح الذي ينتظره الكافة، وتصل كما توقَّع رجال أعمال واقتصاديون إلى ثلاثة أضعاف ما هو قائم الآن خلال السنوات القادمة، وهي التوقعات التي تستند لأرضية صلبة ومتينة يمكن البناء عليها والانطلاق منها، وذلك استنادا إلى العلاقات الراسخة على مستوى القيادات، والزيارات الأخوية المتواصلة التي يقومون بها، فضلا بالطبع عن الفرص الواسعة لتبادل الخبرات والتجارب في مجالات وقطاعات عدة، منها المال والصيرفة والصناعات التحويلية وغير ذلك الكثير.
وتكشف احتفالات الكويتيين بعيدهم الوطني عن حجم الجهد والفداء والتضحية التي بذلها قادة ومواطنو دولة الكويت الشقيقة من أجل النهوض بدولتهم من جديد والصعود بها إلى مصاف أكثر الدول العربية والخليجية تقدما ونماء ومساعدة للغير إغاثيا وإنسانيا بشهادة التقارير والمؤسسات الدولية.
وبالرغم من حجم التحديات والتهديدات التي واجهت الكويت عقب العدوان عليها واحتلالها ومن ثم تحريرها من قبضة العدوان الغاشم، جسدت الكويت المثل والنموذج للغير في كيفية النهوض والصعود من جديد، والمضي قدما في خدمة ورعاية وكفالة حقوق مواطنيها، المعنوية منها والمادية، والانطلاق ثانية على المسار الصحيح لتكون سندا وعمقا لمحيطها الخليجي والعربي وداعما رئيسا لقضايا أمتها الإسلامية ولاعبا محوريا ضمن التحالفات والمؤسسات الدولية.
ولا يقتصر أمر هذه المناسبة الجليلة عند تلك المعاني العظيمة فحسب، حيث تعكس الاحتفالات الكويتية بالعيد الوطني مدى احتفاء المجتمع هناك بمؤسساته ومكوناته وتقدير أفراده بالنهضة التي تحققت في كل ربوع الحياة في دولة الكويت الشقيقة، وشملت العديد من القطاعات والمجالات والمستويات، وباتت نموذجا لما يمكن تحقيقه في فترة وجيزة، وبما يضارع ما حققته دول كبرى في عقود وربما قرون.
ومع المكتسبات والمنجزات المحققة التي تزداد يوما بعد يوم، وينعم بها كل مواطني دولة الكويت الشقيقة، والمقيمون على أرضها، وشملت أوضاعهم المعيشية والحياتية والخدمات الاجتماعية والبشرية التي يتلقونها وتقدم لهم بأسعار شبه مجانية، تبدو احتفالات الكويت بأعيادها الوطنية اليوم وكأنها مناسبة لتجديد بيعة الولاء والانتماء لأرض هذا الوطن الكريم ووفاء لقيادتها ورجالاتها الذين ضحوا بالغالي والنفيس من أجل وطنهم وأبنائه.
وليس هذا بغريب على الكويت وقادتها وأهلها الكرام الذين قدموا أروع الأمثلة في حب وطنهم، وتحمل مسؤولياتهم ناحية إخوانهم في التاريخ والمصير والإنسانية سواء في المنطقة أو العالم، ولعل من نافل القول هنا إنه لولا ما قدمته الكويت لغيرها من أنموذج وتجربة راسخة ورصينة في التنمية وقدرة على الفعل والإنجاز والمساعدة، ما كان لها أن تحقق هذا التواجد والحضور الانساني في مختلف دول العالم.
وربما لا يتسع المجال هنا لذكر حجم الإنجازات المادية والإنسانية التي استطاعت دولة الكويت الشقيقة تحقيقها على مدار العقود الماضية، والتي لم تقتصر على داخل الكويت فحسب، ونعم بها مواطنوها والمقيمون فوق أراضيها، وإنما شملت جيرانها القريبين والبعيدين على السواء في الخليج وعالمنا العربي والإسلامي وكذلك العالمي.
ويمكن الإشارة إلى غيض من فيض من بعض المؤشرات التي تعكس نجاح تجربة الكويت التنموية، ومردود كل ذلك وعائداته على المواطنين هناك، وبقية أبناء الأمتين العربية والإسلامية والإنسانية بأسرها، حيث تطوير موردها البشري ورفع مستواه المعيشي والاجتماعي باعتباره أداة وغاية التنمية المنشودة.
وبالنظر إلى ما سطره تقرير التنمية البشرية عام 2015 حول الكويت، فقد أشار إلى أنها تحتل المرتبة الـ 48 من بين 188 دولة على مستوى العالم، وهي من الدول ذات التنمية البشرية العالية، التي يتمتع مواطنوها بمستويات رعائية وخدمية كبيرة في مجالات التعليم والصحة وما إلى ذلك، ويصل حجم ناتجها المحلي الإجمالي حسب بعض التقديرات إلى 179.5 مليار دولار، وبما يوازي 42100 دولار كناتج فردي لكل كويتي سنويا، وهو من أعلى متوسطات الدخول البشرية في المنطقة وربما في العالم أيضا، ولا تقل نسبة النمو الاقتصادي السنوي عن 2.3%، ولا تتجاوز نسبة البطالة هناك 3.4% سنويا.
وحسب تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي، فإن البيئة الاقتصادية في الكويت تتمتع بميزة تنافسية كبيرة، وتوصف باعتبارها المفضلة عالميا في جذب الاستثمارات الأجنبية، كما أن هذه البيئة تتمتع بوضعية راسخة استنادا لنجاح الإدارة الاقتصادية لدولة الكويت ورؤى قيادتها الحصيفة في بناء صافي أصول مالية خارجية كبيرة ساعدتها وما زالت في التغلب على تقلبات أسواق النفط.
ولا شك أن مثل هذه الإنجازات تستند لقاعدة ثابتة من الاستقرار والأمن بمعانيه وأشكاله المختلفة، السياسية منه والاقتصادية والاجتماعية، حيث عملت الكويت على تثبيت مقومات اللحمة الوطنية وأركان التماسك الاجتماعي، وذلك في مواجهة تحديات إقليمية عديدة، بداية من جرائم التطرف والإرهاب ومرورا بتراجعات أسعار سوق النفط وانتهاء بالطبع بتوترات وفوضى الإقليم وملفاته الساخنة وتدخلات بعض الأطراف في الشؤون الداخلية لدوله، وهو ما كان له عظيم الأثر في الدور الذي باتت تكتسبه الكويت يوما بعد يوم، وتمارسه على أرض صلبة الآن سواء على المستويين العربي والدولي.
لقد كانت الإرادة الفاعلة والكفؤة للقيادة الكويتية دورها الركين فيما حققته دولة الكويت من منجزات ومكتسبات، واستطاعت بفضل هذه الرؤية الثاقبة التي يحملها قادتها وإيمان الكويتيين بها، وهم يحتفلون اليوم بعيد بلادهم الوطني، أن يضمنوا لبلادهم الموارد اللازمة للمضي قدما في خططها ومساراتها التنموية الصحيحة، والانطلاق لآفاق رحبة من التقدم والرخاء، حيث النجاح الملحوظ في تجنب تداعيات الأزمات الإقليمية والعالمية سواء السياسية منها أو الاقتصادية أو الأمنية.
ولعل من المهم هنا التأكيد على أن الكويت أضحت واحدة من بين أكثر دول الإقليم تأثيرا وفاعلية وإنجازا، حيث تحرص دوما على إقامة علاقات وثيقة مع الدول الخليجية والعربية والإسلامية والصديقة في شتى أنحاء العالم، كما أن نهجها المحب للسلام والخير للإنسانية جميعا، جعلها محط أنظار واهتمام دوائر الدبلوماسية العالمية، حيث تم منح الأمير صباح الأحمد الجابر الصباح لقب قائد للعمل الإنساني في سبتمبر 201، وتمثل جهودها المتواصلة للإعلاء من القيم الإنسانية العليا، وحل النزاعات بالطرق السلمية، والحفاظ على استقرار المنطقة، من بين أبرز مقومات سياستها الخارجية التي تحظى بنصيب كبير من الإشادة والاهتمام.
إن نجاح الكويت منذ استقلالها وحتى اليوم في دعم نظامها السياسي والدستوري، وتعزيز مواطن قوتها بتنويع وزيادة مواردها، وتقوية نظم رعايتها الاجتماعية لمواطنيها، تعليما وصحة وغير ذلك، وتوظيفها للكفاءات الوطنية الضرورية لقيادة مؤسسات العمل والإنتاج المختلفة، كل ذلك وفر الأرضية المناسبة للانطلاق وممارسة دور خارجي هادئ يقوم على الاعتدال والتوازن في معالجة المشكلات المختلفة، كما بوأ لها كل ذلك المكانة التي أتاحت لها الدعم والتأييد والمساندة في المحافل والأوساط العالمية، وكان هذا النهج وسيظل دائما ديدنها في التعامل مع أوضاع الداخل والإقليم وملفاته المتعددة والقضايا العالمية الشائكة والمنظمات الإقليمية والدولية.