لبنان - بحلول يوم السبت الموافق 25 مارس دخل لبنان في الفترة المستحقة دستوريًا لانتخاب رئيس جديد للجمهورية ، لكن يبدو أنه من غير المحتمل أن تكون القوى المحلية والإقليمية والدولية الرئيسة قادرة على الاتفاق على مرشح قبل موعد 25 مايو الحالي. وستكون عملية المفاوضات طويلة إذا تضمنت دائرة واسعة من متخذي القرار المكبلين بالموازنات، في ظل تحرك كل الأطراف إلى الأمام بحذر بالغ.
فمنذ توقيع اتفاق الطائف في 1989 الذي أنهى الحرب الأهلية التي دامت 15 سنة، تعرض النظام السياسي اللبناني على مدار ربع قرن إلى سلسلة متلاحقة من الضغوط والصدمات.
شملت تلك الضغوط استمرار أعمال المنظمات العسكرية السياسية ذات الخلفية الطائفية، والتي تعمل خارج سيطرة الدولة ووجود أعداد كبيرة من القوات الأجنبية (السورية والإسرائيلية) على الأرض اللبنانية فضلاً عن استمرار نمو أعداد كبيرة من اللاجئين غير الممثلين سياسيًا.
ومن الجلي أنه في الفترة الأخيرة أصبح عدد اللاجئين السوريين يفوق كثيرًا عدد اللاجئين الفلسطينيين وربما أصبح اللاجئون يمثلون الآن حوالي ربع إجمالي سكان لبنان كما تشل الضغوط أيضًا التوترات الطائفية المتزايدة بين افراد المجتمع في البلاد.
أما الصدمات التي تعرض لها لبنان فشملت اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري في 2005، والدمار الذي خلّفته الحرب الإسرائيلية على حزب الله في 2006، وتفشي آثار الحرب الأهلية السورية المستمرة.
رغم هذه الضغوط الهائلة والصدمات المتكررة، حافظ الاستقرار السياسي على درجة ما من العمل، وأثبت اتفاق الطائف قدرته على البقاء حيًا فلم تكن هناك عودة إلى حالة الحرب الأهلية وظل البناء السياسي الديمقراطي متعدد الطوائف متماسكًا جيدًا. يرجع ذلك إلى حد كبير إلى حقيقة أن المسيحيين اللبنانيين كانوا قادرين على العمل كنطاق عازل بين جيرانهم من المسلمين، كما ساهم في ذلك أيضًا الدور الإيجابي الذي لعبه الرئيس اللبناني كشخصية وطنية ذات توجه وحدوي.
وينظم اتفاق الطائف كيفية اقتسام السلطة بين المجموعات الإسلامية والمسيحية المختلفة التي تشكّل النسيج السياسي الطائفي للبلاد. ففي ظل هذا الاتفاق يتم اقتسام أهم المناصب السياسية حسب الديانة حيث يحظى المسيحيون الموارنة بمنصب الرئيس ويحتفظ السنة بمنصب رئيس الوزراء، ويحصل الشيعة على منصب رئيس مجلس النواب. ورغم أن هذا النظام لا يقدم حلاً لجميع القضايا ولا يحقق متطلبات وتوقعات جميع الأطراف إلا أنه استطاع أن يحقق التوازن السياسي نوعًا ما.
وللمنصب الرئاسي أهمية خاصة بالنسبة للجماعات المسيحية لأن الرئيس ينتمي إليهم وإن كان المنصب ذاته رمزًا للدولة ككل. ولا تكمن الأهمية الحقيقية للمنصب في السلطات العملية للرئيس والتي تُعتبر محدودة بطبيعتها بل في الأهمية الرمزية لوجود لبنان كدولة عربية رئيسها مسيحي وتمثيله 18 طائفة دينية مختلفة. وهذا هو الجوهر الذي لا ينتبه إليه كثيرون في خضم التفاصيل.
بحلول يوم 25 مارس دخل لبنان في الفترة المستحقة دستوريًا لانتخاب رئيس جديد للجمهورية وطبقًا للدستور القائم الذي صدر في مايو 1926 وعُدّل من خلال اتفاق الطائف ينتخب البرلمان الرئيس في اقتراع سري لفترة رئاسية مدتها 6 سنوات وتستمر فترة الانتخاب حتى 25 مايو وطوال هذه الفترة يستطيع رئيس مجلس النواب دعوة أعضاء البرلمان (128 عضوًا) لحضور جلسة عامة لاختيار رئيس جديد. وحسب التقاليد تتحدد نتيجة الانتخاب بالتسويات السياسية قبل تلك الجلسة.
وحتى الأيام العشرة الأخيرة التي تسبق الموعد النهائي في 25 مايو وفي حالة عدم وجود دعوة رسمية من رئيس مجلس النواب يستطيع أعضاء البرلمان أن يقرروا الحضور إلى البرلمان دون إخطار من رئيسه.
ولكي يتم انتخاب الرئيس من الجولة الأولى من التصويت، لابد أن يفوز بأغلبية الثلثين. وفي الجولة الثانية يمكن انتخاب الرئيس بالحصول على 65 صوتًا أي بهامش أغلبية بسيط وذلك بشرط حضور ثلثي نواب البرلمان حتى يكون التصويت صحيحًا.
وفي حالة عدم اكتمال النصاب القانوني أو عدم تحقيق إجماع توافقي وهو العنصر المهم الذي يهدف النظام الحالي إلى تشجيعه يمكن أن يحدث الفراغ السياسي نظريًا ويستمر إلى ما لا نهاية ، وإذا حدث هذا سيختل التوازن بسبب تدخل القوى الإقليمية والدولية التي ترى أن الفراغ المؤسسي في لبنان يضر بمصالح الجميع بما في ذلك مصالح اللبنانيين أنفسهم.