شهد العراق في 30 إبريل 2014 أول انتخابات برلمانية بعد انسحاب القوات الأميركية من البلاد ، وربما تكون هذه الانتخابات هي الأهم بسبب ما يمكن أن تنطوي عليه نتائجها والخريطة السياسية التي ستتشكل في ضوئها وتأثيرها الكبير في تحديد المسارات المستقبلية.
تجري الانتخابات البرلمانية العراقية وسط استقطابين ، الاستقطاب الاول يمكن ان يسمى بالطائفي لانه يسهم ويهدف الى تحسين فرص القوى التي تدافع عن كيانها وتمثيل مصالحها اما الاستقطاب الثاني فهو استقطاب سياسي بين القوى الحزبية ، وفي حين يدفع الاستقطاب الأول نحو قيام تكتلات ذات طابع راديكالي بحت فإن الاستقطاب الثاني يقود إلى اصطفافات سياسية تعكس صراعاً ضمنياً لطريقتين في إدارة الدولة حيث يتوقع المحللين للمشهد السياسي في العراق أن تشهد مرحلة ما بعد الانتخابات تسويات أو حالات تأزم جديدة ناتجة عن التداخل بين هذين الاستقطابين.
القضية الأساسية الأكثر أهمية في هذه الانتخابات هو بقاء رئيس الوزراء الحالي في منصبه في ظل احتدام التوترات السياسية والانقسامات وتصاعد مستوى العنف إلى معدلات غير مسبوقة منذ العام 2008 ، فمع استمرار العمليات العسكرية في محافظة الأنبار عبر اشتباكات بين القوات العراقية وبعض العشائر المتحالفة معها من جانب وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) وقوى محلية متمردة من جانب آخر تتصاعد موجة التفجيرات والسيارات المفخخة في العاصمة بغداد ما يجعل المواطن العراقي يبحث بشكل جدي عن مخرج للازمة يكمن في تغيير شخص رئيس الحكومة املا في تعديل او التحسين من الوضع القائم في البلاد.
يرتبط العنف المتصاعد بإخفاق الحكومة والقوى السياسية العراقية في التعامل مع المشاعر السائدة وأبرزها التهميش ووجود سياسات تمييز تتبعها الحكومة العراقية والقوى الأمنية.
فبعد عام كامل من الاحتجاجات لم تشهد العملية السياسية ولا السياسة الحكومية تعديلات واضحة أو طرحًا جديدا حول سبل ردم الانقسام في البلاد.
ومن جهة أخرى تجري الانتخابات في ظل استمرار الخلاف بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان حول احتساب حصة الإقليم من الميزانية العامة وهو جزء من صراع أوسع على تنظيم إدارة الموارد النفطية والغازية في البلاد فبينما ترى الحكومة الاتحادية أنها صاحبة القرار النهائي في رسم السياسة النفطية والإشراف على عمليات التعاقد والتصدير اتّجه إقليم كردستان إلى التعاقد مع الشركات الأجنبية بشكل مستقل عن الحكومة الاتحادية كما شيد أنبوبا نفطيا مستقلا يربط حقول النفط الكردستانية بتركيا بدون المرور بأنبوب النفط الوطني الذي تسيطر عليه الحكومة الاتحادية ويعتبر الإقليم أن ذلك ينسجم مع بنود الدستور العراقي الذي منح الأقاليم صلاحيات واسعة.
ووفق الخريطة الانتخابية الراهنة لن يحصل أي طرف على الأغلبية الضرورية لتشكيل الحكومة وسيضطر إلى تشكيل تحالفات لاحقه وقد تعيد هذه التحالفات التمحور السياسي بين مختلف اطياف المجتمع وتنتهي بالتالي إلى تشكيل حكومة شراكة جديدة على أساس نسب المكونات، أو أن التحالفات ستتشكل على أساس استقطاب سياسي بين فريق داعم للمالكي أو فريق معارض له لكن الأوزان السياسية التي ستفرزها الانتخابات للقوى المتنافسة هي التي ستقرر إمكانية غلبة أحد الاصطفافين. ويبدو أن الاتجاه الراجح هو أن مسعى تأمين منصب رئيس الوزراء لصالح المالكي أو لصالح أحد منافسيه هو الذي سيقود المرحلة الأولى من العملية التفاوضية وستكون إلى حد كبير مرحلة ردم الفجوة بين التوقعات وبين الأوزان الحقيقية للكتل المختلفة ، وإن لم يتم حسم هذه المواجهة مبكرًا قد تنشأ اصطفافات بديلة أو أزمات لاحقة تهدد قدرة النظام السياسي الراهن على الاستمرار.