لا زال اتفاق المصالحة الفلسطينية الذي تم التوصل إليه مؤخرا بين حركة المقاومة الإسلامية حماس ومنظمة التحرير الفلسطينية ويشمل تشكيل حكومة توافق وطني خلال خمسة أسابيع بما يُمهد لإجراء انتخابات تأجلت كثيرا في الأراضي الفلسطينية مثار ردود فعل متضاربة وتقييمات متباينة. وفيما أغضب الاتفاق إسرائيل التي سارعت الى تعليق محادثات السلام التي يدعمها الغرب مع محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية، صرح محمود الزهار، المسؤول البارز في حركة المقاومة الإسلامية، أن حماس سلمت بالفعل قوائم بأسماء الوزراء المحتملين مؤكدا أن الإتفاق "لن يؤدي إلى اعتراف حماس بحق إسرائيل في الوجود".
وفي القاهرة، تباينت قراءة باحثين سياسيين مصريين لاتفاق المصالحة الفلسطينية الذي أعلـن عنه رسميا الخميس 24 أبريل 2014 في قطاع غزة بين منظمة التحرير الفلسطينية فتح ، وحركة المقاومة الإسلامية حماس والذي أنهى على الورق حتى الآن سبعة أعوام من القطيعة والخلاف والإنقسام ففيما يراه خبير سياسي "خطوة إيجابية" ومكسب للقضية الفلسطينية يعتبره محلِّل سياسي "خيار الإضطرار" و"حيلة لكسْر الحصار".
وكان وفدا حركة التحرير الفلسطينية فتح وحركة المقاومة الإسلامية حماس، قد أعلنا في مؤتمر صحفي، عُقِدَ في غزة يوم الخميس 24 أبريل 2014 في ختام لقاءات بين الجانبين، استمرت يومين، أعلنا التوقيع على اتفاق للمصالحة بين الطرفين، يُـنهي حالة الإنقسام الفلسطيني التي استمرت لسبع سنوات.
واتى أبرز بنود اتفاق المصالحة على :
= التأكيد على الإلتزام بكل ما تمّ الإتفاق عليه في اتفاق القاهرة والإتفاقات الملحقة له وإعلان الدوحة واعتبارهما المرجعية عند التنفيذ.
= يبدأ الرئيس مشاورات تشكيل حكومة التوافق الوطني، بالتوافق مع الفصائل، من تاريخه، وتعلن خلال الفترة القانونية، وهي خمسة أسابيع، استنادا إلى اتفاق القاهرة وإعلان الدوحة.
= التأكيد على تزامُن الإنتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني، ويخوّل الرئيس بتحديد موعد الإنتخابات بالتشاور مع القوى والفعاليات، على أن يتم إجراء الانتخابات بعد ستة أشهر من تشكيل الحكومة على الأقل، وتتم مناقشة ذلك في لجنة تفعيل منظمة التحرير في اجتماعها القادم.
= عقد اجتماع للجنة تفعيل وتطوير منظمة التحرير، لممارسة مهامها المتفق عليها في الإتفاقات في غضون خمسة أسابيع من تاريخه والتأكيد على دورية وتواصل اجتماعاتها بعد ذلك.
= العمل الفوري للجنة المصالحة المجتمعية ولجانها الفرعية، استنادا إلى ما تم الاتفاق عليه في القاهرة.
= تطبيق ما تم الإتفاق عليه في القاهرة في ملف الحريات العامة ودعوة لجنة الحريات العامة في الضفة والقطاع، لاستئناف عملها فورا وتنفيذ قراراتها.
= تفعيل "المجلس التشريعي والقيام بمهامه" في المرحلة المقبلة.
تأتي ابرز النتائج الايجابية بالنسبة لحركة حماس في كسر الحصار الخانق المفروض عليها خاصة في شقه المالي كما أنه يسمح لها بالإحتفاظ بسلطتها في غزة وقوتها الأمنية فيها والمقابل يسمح لسلطة رام الله بالحفاظ على قوتها الأمنية ، كما يسمح لها بالتنسيق الأمني مع الطرف الإسرائيلي وربما يستخدمه الرئيس عباس في وقت لاحق لتحسين موقفه التفاوضي مع إسرائيل.
يجدر الذكر ان الخلافات بين حركتي فتح وحماس تفاقمت عقب فوز الأخيرة بغالبية مقاعد المجلس التشريعي في الإنتخابات التشريعية التي اجريت في يناير 2006 وبلغت الخلافات ذروتها بعد الإشتباكات المسلحة بين الحركتين في غزة في منتصف يونيو 2007 والتي انتهت بسيطرة حماس على القطاع الذي يسكنه حوالي 1.8 مليون نسمة وتحاصره إسرائيل للعام الثامن على التوالي.
أعقب ذلك الخلاف تشكيل حكومتين فلسطينيتين الأولى تشرف عليها حماس في غزة والثانية تشرف عليها السلطة الوطنية الفلسطينية التي يتزعّمها الرئيس محمود عباس في رام الله بالضفة الغربية.
ويشار إلى أنه قد تم التوصل إلى اتفاقات مصالحة بين حركتي فتح وحماس عدة مرات على مدى السنوات التسع الماضية وكان يوصف كل اتفاق منها بأنه نهاية تاريخية للخلافات بين الفلسطينيين غير أنه لم يتم تنفيذ أو تفعيل أي منها، ولعل من أبرزها: اتفاق مكة المكرمة (عام 2007) واتفاق القاهرة (عام 2011) واتفاق الدوحة (عام 2012)، وفي شهر مايو من عام 2013، أعلن الجانبان تأكيدهما على تعهدهما بـالإلتزام بالإتفاقات السابقة وتحقيق الوحدة الوطنية بشكل عام.
اما عن ردود الفعل الدولية عامة والاسرائيلية خاصة فجائت سلبية ومخيبة لامال الفلسطينيين فالمتحدثة باسم الخارجية الأمريكية بساكي قالت "هذا أمر مخيِّب للآمال بالتأكيد ويثير مخاوف بشأن جهودنا لتوسيع نطاق المفاوضات. من الصعب أن نرى كيف يمكن لإسرائيل أن تتوقع التفاوض مع حكومة لا تؤمن بحقها في الوجود".
كما ان مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية صرح بأن الولايات المتحدة يجب أن تُعيد النظر في مساعدتها للفلسطينيين بعد هذا الإعلان، قائلاً "أي حكومة فلسطينية يجب أن تلتزم، بلا غموض وبوضوح، بنبذ العنف وقبول الاتفاقات السابقة والالتزامات بين الطرفين في المحادثات الإسرائيلية الفلسطينية".
وقال متحدث باسم الجهاز الدبلوماسي للإتحاد الأوروبي "انه إذا كانت المصالحة (الفلسطينية) خطوة مهمة نحو حل الدولتين، فإن الأولوية تبقى مواصلة المحادثات" بين الإسرائيليين والفلسطينيين، التي استُؤنفت في يوليو 2013 برعاية الولايات المتحدة.
كما قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في بيان له صدر عن مكتبه، إن الرئيس "عباس اختار حماس وليس السلام، ومَن يختار حماس لا يريد السلام" ، والمتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية مارك ريغيف، قال: إن "هذه الخطوة من الرئيس عباس بعيدة عن السلام وبعيدة عن المصالحة.. ولن نتحدث مع حكومة تضم بين أعضائها مَن يقولون إنه يجب تدمير بلدي" ، اما وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، قال: إن "توقيع الإتفاق بين فتح وحماس على تشكيل حكومة تكنوقراط قريبا، يُعتبر توقيعا على نهاية المفاوضات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل" ، وعقب وزير الإقتصاد، رئيس حزب البيت اليهودي اليميني المتطرف، نفتالي بينيت، عقَب على المصالحة الفلسطينية، بقوله: "هذه المصالحة ستشكل حكومة وحدة وإرهاب".