تغطيات

مستقبل النفط في الخليج بين التحديات والتنمية

اشار تقرير اقتصادي الى اهمية وضرورة احداث تغييرات جذرية في استراتيجيات وخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية في دول مجلس التعاون الخليجي من أجل تأهيل القدرات البشرية وتطويرها وتحويل اقتصادات المنطقة من اقتصادات ريعية قائمة على عائدات النفط والغاز إلى اقتصادات قائمة على المعرفة والتكنلوجيا والاهتمام بالبرامج التعليمية والتدريبية إلى جانب الاهتمام بالتقنيات الحديثة في مختلف القطاعات.
وجاء في تقرير اصدره المركز الدبلوماسي للدراسات الاستراتيجية أن تدهور أسعار النفط يشكل ضغطاً أكبر على الدول المنتجة منه على الدول المستهلكة، فتدهور الأسعار له علاقة مباشرة بموازنات الدول المنتجة، التي تعتمد في شكل كبير على الريع المالي الناتج عن الصادرات النفطية مشيرا الى انه في عام 1996 كان سعر 20 دولاراً للبرميل سعر معقول، وفي 2006 كان 27 دولاراً سعر مناسب، والآن السـعر المعقول هو حوالى 100 دولاراً للبرميل.
واوضح ان دول الخليج منذ منتصف خمسينيات القرن العشرين بطفرتها النفطية التي غيرت من معالم المجتمع الخليجي، اصبحت من أغنى دول العالم بالثروة النفطية التي تعتبر المصدر الرئيس لتوليد الطاقة الكهربائية على مستوى العالم، فقد أصبحت الدول الخليجية مجتمعة أكبر مصدر للنفط في العالم وقد اثر ذلك بشكل واضح في قدرة تلك الدول على النهوض وتحقيق معدلات مرتفعة من النمو بفضل فوائض ميزانياتها الهائلة والمعتمدة بشكل كبير على النفط، فتلك الدول تعتمد في مداخيلها بنحو 70 إلى 90% على الإيرادات النفطية، و يعد النفط بمثابة العمود الفقري لاقتصادات تلك الدول.
يُلقي التقرير الضوء على، أولاً: أهم التحديات التي تواجه دول الخليج للحفاظ على دورها في صناعة النفط العالمية. ثانياً: التنمية المستدامة كحل أمثل للحفاظ على مكانة الخليج في رسم معالم سوق الطاقة العالمية. ثالثاً: النفط الخليجي، عامل أساسي في تطور الانتاج العالمي من النفط غير التقليدي.

أولاً: التحديات التي تواجه دول الخليج للحفاظ
على الرغم من كون المملكة العربية السعودية أكبر منتج للنفط على مستوى العالم، فقد كثر الحديث في الفترة الراهنة حول المدى الزمني لنفاذ الاحتياطي النفطي للمملكة، والذي قُدر بحوالي 267 مليار برميل خلال عام 2012.
حيث أننا إذا اعتبرنا أن الانتاج السعودي من النفط ثابت بنحو 10 مليون برميل يومياً فإن ذلك يعني أن العمر الزمني حوالي 73 عاماً، ومع زيادة الطلب في المستقبل على النفط السعودي، ما يعني أن المدة الزمنية ستقصر بسبب زيادة الانتاج خاصة إذا ما رفعت المملكة معدل الإمتاج لنحو 12,5 مليون برميل طبقاً للخطط الموضوعة حالياً. ومن المؤكد أن الطلب المحلي على النفط يزيد بشكل متنام، وبالتالي سيقل معدل التصدير وما يتعلق به من إيرادات مالية. فيما تشير التقارير النفطية الأخيرة إلى تقدم فنزويلا على المملكة، بحيث أصبحت الأولى على مستوى العالم كصاحبة أكبر احتياطي نفطي، كما أن هناك تقارير صادرة عن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية بأن الولايات المتحدة الأميريكية تأتي في المرتبة الثانية بعد فنزويلا بينما المملكة العربية السعودية تحتل المرتبة الثالثة، مما يدل على أن هناك متغيرات جديدة ستظهر على ساحة سوق النفطية العالمية .
النفط الصخري
تهديد النفط والغاز الصخريين قد يدفع إلى «إعادة التفكير» بشأن السياسة الاقتصادية لدول الخليج، حيث هناك تخوف من قدرة تلك الدول على توفير مصدر دخل اساسي في المستقبل بما يكفي لتمويل الميزانيات التي اصبحت تتميز بضخامتها. وربما ما يدل على حجم القلق الكبير للنفط والغاز الصخري "التصريح الذي أدلى به وزير النفط الإماراتي "محمد الهاملي" خلال مؤتمر منظمة أوبك في فيينا ديسمبر 2012 بشأن التهديد الذي تواجهه المنظمة من نمو إنتاج النفط والغاز في الولايات المتحدة، حيث أكد حينها أن ثورة الطاقة الصخرية الأميركية «مسألة كبيرة»، وأنه ينبغي على منظمة أوبك أن تحمي نفسها بأن تجعل نفطها أكثر جاذبية للمستهلكين في العالم.
فعدم تطوير استراتيجيات الدول الخليجية للطاقة لمصادر الطاقة البديلة والتحول إلى اقتصادات صناعية لا تعتمد على النفط بصورة أساسية سيدفعها نحو التراجع، ولا ضمان لها من الفقر فقد سادت حضارات ثم بادت بسبب ضعف البنية الاقتصادية لتلك الحضارات. والأمر الذي يعجل من ذلك هو نزوح المستثمرين المحلين من دول مجلس التعاون الخليجي هاجروا إلى دول صناعية ونامية تملك مقومات اقتصادية مستقرة وداعمة لرؤيتهم. وكذلك نجد أن حكومات تلك الدول تدعم استثماراتها في الولايات المتحدة وأروبا وآسيا وذلك في الوقت الذي تدعو فيه المستثمرين من مواطنيها بالاستثمار في بلدانها، وذلك من شأنه أن يكون مؤشر قوي على عدم توافر الرؤية البعيدة والصحيحة والجادة في ما يخص الاستثمار في بدائل النفط والاستعداد لفترة ما بعد نضوب النفط.
فالدول الخليجية تواجه العديد من التحديات والتي من شأنها أن تكون عائق لتحقيق معدل النمو المستدام لأسباب تتعلق بالهيكل الاقتصادي والبنية الأساسية للموازنات العامة في دول مجلس التعاون الخليجي لإعتمادها بشكل أساسي على الإيرادات النفطية الذي أصبح يخضع للتذبذبات الواضحة في أسعار النفط بسبب العوامل الجيوسياسية التي تعاني منها دول الشرق الأوسط.

تأثيرات غير مباشرة
فالإعتماد المتزايد على النفط له تأثيره الواضح في الناتج المحلي الخليجي، ولا يعتمد ذلك التأثير فقط على القيمة المضافة لقطاع النفط وإنما أيضا له تأثير غير مباشر على القطاعات الأخرى، فالصناعات الأخرى في الاقتصاد تعتمد على النفط بشكل غير مباشر من خلال الإنفاق الحكومي، سواء الإنفاق الجاري أو الإنفاق الرأسمالي، فهو المحرك الرئيسي للنشاط الاقتصادي في القطاعات غير النفطية، ومن ثم يعتبر تحقيق التنمية المستدامة بمثابة تحدياً كبيراً.
ومن ثم هناك تخوف على تدهور دور النفط الخليجي في رسم معالم سوق الطاقة العالمية في ضوء عالم يشهد دخول منافسين جدد في سوق النفط غير التقليدية كالولايات المتحدة، والتوقعات بارتفاع إنتاج كل من العراق وإيران، وتوجه الصين لشراء شركات نفطية قائمة، كل ذلك أصبح يمثل ضغطاً كبيراً على دول الخليج،
فالدول الخليجية على الرغم من دورها الفعال في سوق النفط العالمية نظراً لإمداداتها المرتفعة من النفط، إلا أنها اصبحت رهينة أسعار النفط، فإذا ما انخفض سعر برميل النفط في الوقت الراهن تحت 40 دولاراً، ستصبح ميزانيات دول مجلس التعاون الخليجي عاجزة عن تحقيق فائض بل ومن الممكن أن تحقق عجز بما يُحمل اقتصاداتها الكثير من الأعباء و ستكون ملزمة برفع إنتاجها من الطاقة بنسبة 80% بحلول عام 2015 مقترنة بالمستوى الذي كان عليه الإنتاج في 2008، وهو هدف لا يزال بعيد المنال لغاية الآن.

ثانياً: التنمية المستدامة
بدأت دول الخليج بالفعل في اتخاذ تتخذ خطوات لتنويع اقتصاداتها بعيداً عن النفط، حيث بدأت السعودية بتحرير قطاع الطيران عبر السماح لشركات جديدة بالعمل، وأعلنت سلطنة عمان عن مشروعات صناعية جديدة منها مصنع للصلب باستثمارات 400 مليون دولار وأنشأت صندوقاً حكومياً لدعم المشروعات الصغيرة. وإن كان ذلك بسبب تداعيات إنتاج النفط والغاز الصخري في الولايات المتحدة وتأثيراته على مستقبل صناعة النفط في الخليج بشكل عام وفي السعودية بشكل خاص، فهو في حد ذاته فرصة كبيرة لتلك الدول لإعادة صياغة مستقبلها الاقتصادي بشكل يتلائم مع التحديات المستقبلية التي يواجهها الاقتصاد العالمي بصفة عامة.
ولكن إن كانت تلك الدول، قد بدأت منذ عام 2008 في الإصلاح، إلا أن السياسات المنتهجة لم تقم إلا بتعزيز البنى الإنتاجية الموجودة، فالإنتاج الزراعي والصناعي لا يزال ضعيفاً، حيث لم يمثل في عام 2000 سوى 11% من الناتج المحلي الإجمالي.
ان تحقيق التنمية المستدامة لا تعتمد على مصدر واحد، إلى جانب قابليتها للاستمرارية وعدم خضوعها للنضوب مثل النفط، فالنمو المستدام يعتمد على مصادر متعددة سواء كانت مصادر طبيعية مباشرة، أو مدخلات إنتاج وسيطة متوافرة، إضافة إلى كوادر بشرية مؤهلة تقود تلك التنمية، وتحقق لها الاستدامة.وفي الوقت ذاته هناك ضرورة للاهتمام بالجانب البيئي وعدم الإضرار به أثناء استخراج الموارد الطبيعية، حيث لابد منأن يكون هناك توازن اقتصادي مبني على استخراج موارد طبيعية غير مدمرة للبيئة المحيطة سواء كانت بيئة بحرية أو برية أوهوائية. ومن ثم على الدول الخليجية اتباع سياسة نفطية من شأنها:-
- ضرورة إيجاد توازن بين مستوى المعيشة الحالي الذي تطمح له المنطقة وعدم المبالغة كي لا يتم استهلاك كل الموارد وحرمان الجيل القادم منها، حيث أن عملية الاستهلاك الزائد عن الحاجة في الموارد ستترك آثارا سلبية على الأجيال القادمة.
- التخلي عن تبني حلول قصيرة المدى في حل مشكلات طويلة المدى، كأن تتبني دول الخليج حل أزمة المياه من خلال محطات التحلية، والتي تعتمد في تشغيلها على النفط والغاز لحل مشكلة على المدى المتوسط، فذلك الحل سيساعد على توفير الماء على المدى القريب والمتوسط، ولكن على المدى البعيد قد لا تتوافر موارد النفط أو الغاز لإنتاج الماء الصافي من خلال محطات التحلية، وبناء عليه لن يتوافر الماء المحلى. ومن ثم هناك ضرورة للنظر لحلول أخرى لتحلية المياه واستبدال طاقة أخرى بها تحمل صفة الديمومة كالطاقة الشمسية أو طاقة الرياح.

ثالثاً: النفط الخليجي، عامل أساسي في تطور الانتاج العالمي من النفط غير التقليدي:-
حقاً أصبحت دول الخليج تمثل شريان الطاقة الحيوي للعالم، باستحواذها خلال أربعة عقود على خمس إمدادات العالم من النفط، حيث أنتجت ما يزيد على 207 مليارات برميل، أي أكثر من ستة أضعاف الاستهلاك السنوي الحالي للعالم أجمع، وكان لذلك أثره الكبير على دول وشعوب مجلس التعاون، فها هي قطر تعد اليوم أكبر مصدر لسوائل الغاز الطبيعي في العالم، ومن ثم حافظت على أحد أسرع معدلات النمو العالمية خلال العقد الماضي. وكذلك أسهمت إمدادات الطاقة من دول مجلس التعاون الخليجي خلال عدة عقود في دعم النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة وأوروبا، حيث شهدت كل منهما نمواً اقتصادياً يعود في جزء منه إلى إمدادات الطاقة المستقرة التي تأتيهما من دول المجلس، وساعدت إمدادات الطاقة من دول مجلس التعاون الخليجي ايضاً في دعم التنمية والازدهار في الكثير من الدول الآسيوية كالصين والهند( ).
ولكن في الوقت الحالي هناك العديد من الدراسات التي تؤكد زيادة الانتاج العالمي من النفط خلال العقد الحالي، في ضوء زيادة إنتاج الولايات المتحدة الأمريكية لنحو 10,5 مليون برميل يومياً بحلول عام 2015 متضمناً 2,1 مليون برميل من النفط الصخري، وقد يصل إلى 14,1 مليون برميل عام 2020. أما روسيا، فتواجه انخفاضاً في إنتاج حقول غرب سيبريا. ومن ثم نجد أن الدراسات الموجودة على الساحة النفطية العالمية متفائلة في شأن أوضاع الولايات المتحدة في مجال الطاقة والنفط إذ ترى أنها ستتحرر من الاعتماد على الاستيراد بحلول عام 2020.
ولكن ما يعنينا هنا، هل يمكن أن تتحقق تلك التوقعات؟ مع الأخذ في الاعتبار التطورات التقنية في الاستخراج والإنتاج والتي تستند أيضاً إلى ارتفاع أسعار النفط، ما جعل من إمكانات إنتاج النفط من الحقول الصعبة، ومن مصادر مثل النفط الصخري والمياه العميقة، ذات جدوى اقتصادية. نعم من الممكن تحقق تلك التوقعات بصورة كبيرة خاصة في ضوء التطور التكنولوجي الكبير الذي تشهده الدول المتقدمة في العالم، ولكن هل ستظل ثقافة الاستهلاك النفطي المتزايد مستمرة لدى المستهلك العالمي؟، تلك هي النقطة الأهم والتي يجب أن تركز عليها الدراسات المستقبلية للنفط.
ومن ثم يجب النظر إلى معدلات الطلب على النفط والتي تمر بتراجع هيكلي إذ يجري ترشيد استهلاك الوقود وتجري عمليات تطوير في صناعة السيارات بهدف استخدام مصادر وقود بديلة مثل الغاز الطبيعي، ناهيك عن رفع كفاءة استخدام البنزين. ولكن من ناحية أخرى يجب متابعة أسعار البنزين في الولايات المتحدة الأمريكية، فعلى الرغم من ارتفاع الانتاج المحلي، نجد أن  البنزين في لا يزال مرتفعاً نسبياً عند 3.65 دولار للغالون، فيما يستبعد محللون كثيرون تراجع السعر. وحتى لو أصبحت الولايات المتحدة أكبر منتج للنفط في العالم عام 2020، وربما يكون ذلك سياسة محلية لإبعاد المستهلك المحلي عن النفط والتحول للمصادر البديلة لتقليل الأثر السلبيي المترتب من زيادة الاستهلاك النفطي على البيئة. وفي ضوء ذلك هل سيستقر الطلب على النفط في الولايات المتحدة بما يؤدي إلى خفض أسعار النفط عالمياً؟، ولكن للإجابة على ذلك السؤال قد نجد أنفسنا أمام سؤال آخر يتمثل في: هل سيظل الطلب العالمي على النفط نشطاً خلال السنوات القادمة أم لا؟، وبالنظر لمعطيات النمو الاقتصادي العالمي بصفة عامة، سنجد أن الطلب العالمي على النفط سيظل مرتفعاً في ضوء استمرار النمو الآسيوي المتمثل في الصين عملاق الاستهلاك النفطي، والهند وكذلك اليابان القوة الاقتصادية العائدة بقوة لساحة الاقتصاد العالمي.
فهناك الصين التي ارتفع الطلب على النفط فيها بنسبة 28% خلال السنوات الخمس الماضية، وذلك الطلب قد يحفز الولايات المتحدة لتصدير المنتجات النفطية إلى الخارج لجني أرباح، وفي ضوء اهتمام الدول المستهلكة بتطوير إستراتيجية طويلة الأجل لتأمين مصادر طاقة مضمونة وبعيدة من التأثيرات السلبية للأوضاع السياسية والأمنية غير المستقرة في البلدان المنتجة مثل بلدان الشرق الأوسط والبلدان الأفريقية ستكون واردات النفط الأمريكية هي الأكثر أماناً لتلك الدول. وتلك الاهتمامات ذاتها ستدفع إلى تطوير مصادر جديدة لإنتاج النفط في الولايات المتحدة وكندا، وتعزيز عمليات التنقيب عن النفط في أحواض البحر المتوسط، كما يجري الآن حول قبرص ولبنان وإسرائيل، ناهيك عن تطوير بدائل طاقة أخرى.
ولكن من الممكن اعتبار أن النفط الخليجي في حد ذاته هو العامل الرئيس في قدرة دول العالم الأخرى على انتاج النفط من مصادر غير تقليدية مثلما يحدث في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أن عمليات إنتاج النفوط الجديدة في الولايات المتحدة وكندا وغيرها تعتمد على استقرار الأسعار حول مستويات عالية، ولم يكن بالإمكان أن يصبح النفط الصخري مصدراً واقعياً للنفط في الولايات المتحدة لو لم تكن الأسعار تدور حول مستوياتها الحالية، أي بين 80 و110 دولارا للبرميل. ولا يزال الطلب قوياً وقد يصل خلال عام 2013 إلى 90,3 مليون برميل يومياً فيما يمكن أن تبلغ الإمدادات 90,6 مليون برميل يومياً. ولا تزال البلدان خارج «أوبك» تؤمّن نحو 54,1 مليون برميل يومياً، ما يعني أن بلدان «أوبك» تقدم ما يزيد على 40% من الإمدادات النفطية في العالم يأتي معظمها من دول الخليج.
وفي الوقت ذاته هناك دراسات أخرى توضح أنه قد تم اكتشاف احتياطات من الغاز الصخري تصل إلى 660 تريليون قدم مكعبة، وهي تقارب الاحتياط الأميركي البالغ 870 تريليون قدم مكعبة، ما يجعل المملكة تملك واحداً من أكبر خمسة احتياطات للغاز الصخري في العالم، حيث  يجري العمل حالياً على تطوير تقنية جديدة لاستخراج الغاز الصخري من دون الحاجة إلى المياه العذبة، وهي تقنية "الحفر الجاف"، حيث تواجه السعودية تحدياً كبيراً في استخراجه بتلك الطريقة بسبب شح مواردها من الماء العذب الضروري لاستخراج ذلك النوع من الغاز، وقد تكون الشمس مصدراً آخر للملكة العربية السعودية لتصبح هي الأولى في ذلك المجال على مستوى العالم.
ويبقى السؤال الأهم، هل تتأثر دول المنطقة اقتصاديا نتيجة اكتفاء أميركا ذاتيا من النفط؟، وستكون الإجابة بالنفي على المدى القصير والمتوسط في ضوء سببيين مهميين وهما( ):-
1- الدول المصدرة للنفط لم تعد في حاجة ملحة للاستيراد الأميركي مطلقاً، فكما عبر تقرير وكالة الطاقة الدولية، أن الطلب على النفط سيزداد بنسبة 7% حتى 2020 من الصين والهند تحديداً، اللتين تشهدان تقدماً تقنياً مذهلاً وستبقيان تتمتعان بنمو كبير في المستقبل المنظور، ونفط الشرق الأوسط سيبقى مطلوباً لعقود مقبلة، وأسعاره ستتجاوز 215 دولارا للبرميل عام 2035 (أو ما يعادل 125 دولاراً بالقيمة الحالية). إلا أن تلك الزيادة في الإنتاج لن تذهب إلى الدول الصناعية العشرين، لأن الطلب فيها على النفط وفق توقعات الوكالة لن يتغير كثيرا، لكن 60% من الطلب الكلي سيتوجه إلى الصين والهند وبلدان الشرق الأوسط. إلا أن كمية النفط المعروضة في السوق العالمية ستتعزز خلال العقد الحالي نتيجة تزايد الاستخراج من أعماق البحار في دول خارج منظمة "أوبك"، لكن العالم سيعود للاعتماد على إنتاج "أوبك" بعد عام 2020.
2- ستتمتع منطقة الشرق الأوسط بميزة انخفاض تكلفة إنتاج النفط، فكثير من الدول لديها نفط في أعماق الأرض أو البحار أو باطن الصخور، إلا أن المحدد الرئيس للجدوى الاقتصادية للنفط أو أي منتج آخر هو كلفة الإنتاج التي تعتبر منخفضة جداً في الشرق الأوسط بسبب قرب مخزون النفط من السطح. صحيح أن أسعار النفط في السوق الآن مجدية للنفط المستخرج بأسعار مرتفعة، لكن تلك الميزة سيبقى مردودها على دول نفط المنطقة كبيراً، وإذا حدث أن تدنت أسعار النفط فسيكون نفط المنطقة هو الباقي في السوق لأنه الأقل تكلفة الأمر الذي يضمن استمرار تدفقه.
ولكن ما هو أكثر أهمية في الوقت الراهن تدور حول مدى تأثير التقنيات والأساليب والاحتياطات الجديدة في سوق الطاقة العالمي، حيث أن الاحتياطات الجديدة الناجمة عن أنشطة التكسير في الولايات المتحدة وأنشطة الحفر في المناطق البحرية في البرازيل، وتزايد أعمال التنقيب في القطب الشمالي، تدل على أن بشائر الوفرة تدحض فكرة النضوب، إلى جانب أن الاحتياطات التجارية الجديدة كالنفط الصخري تحمل في طياتها عوامل جيدة لدعم الاقتصاد العالمي الذي يعتمد في نموه على مزيد من التنوع في مصادر الطاقة.
وفيما يخص أسعار النفط، ترى المملكة العربية السعودية أن نقط التعادل السعرية للنفط تتعلق بالاقتصاد العالمي أكثر مما تتعلق بحكومة بعينها، حيث لو انخفض سعر البرميل إلى 40 دولاراً لن تقتصر تداعيات ذلك على المملكة وحدها، بل ستتجاوزها إلى الاقتصاد العالمي، وستنعكس على الاستثمار في المصادر غير التقليدية للطاقة، وستكون لذلك عواقبه الوخيمة على الاستثمار في تقنيات الطاقة المتجددة. ومن ثم لابد وأن تنظر الدول المنتجة للأهم من مسألة أسعار النفط إلى كيفية زيادة النمو الاقتصادي العالمي بغض النظر عن السعر، بحيث لا تنطوي خطط تلك الدول على الوصول لوسائل تحافظ على السعر عند مستوى معين بهدف تمويل المشاريع المحلية ، بل يجب التركيز على الاستثمار في البنية التحتي لتلك الدول حتى تستطيع تحقيق معدلات نمو مستدامة والتي من شأنها أن تخدم النمو الاقتصادي العالمي بصفة عامة.
 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى