خلال أسبوع واحد فقط، تعرضت إيران لوقوع زلزالين بقوة كبيرة، إذ تعرضت المنطقة الجنوبية الشرقية لإيران لزلزال بلغت قوته 6.3 درجة على مقياس "ريختر"، وبعد أسبوع واحد فقط تعرضت المنطقة الجنوبية بالبلاد لزلزال آخر بلغت قوته 7.8 درجة على مقياس "ريختر" عُدّ الأقوى الذي تتعرض له إيران منذ عام 1957، الأمر الذي أثار المخاف مجدداً بشأن مدى كفاية إجراءات السلامة في مفاعل "بوشهر" النووي بإيران، والذي يقع على مقربة من سواحل دول الخليج العربية، ومع الإشارة إلى أن أي تسرب إشعاعي قد يتعرض له المفاعل من شأنه تهديد السلامة البيئية في كامل منطقة الخليج.
التقرير التالي الذي اصدره المركز الدبلوماسي للدراسات الاستراتيجية يتناول قراءة تحليلية عن أسباب تجدد المخاوف من إجراءات السلامة في مفاعل "بوشهر" النووي على اثر الزلزالين الذين وقعا بإيران، والمواقف التي اتخذتها دول الخليج، وذلك تركيزاً على المحاور التالية.
أولاً- زلزال إيران والارتدادات الإقليمية:
هز زلزال بقوة 6.3 على مقياس "ريختر" شواطئ إيران الجنوبية الإيرانية، وذلك في التاسع من أبريل 2013 الذي شهد احتفال الدولة باليوم الوطني للتكنولوجيا النووية، مما تسبب في تهدم نحو 800 منزل وأسفر عن مقتل 37 شخصاً وإصابة ما يزيد على 900 من المواطنين الإيرانيين . وفقط بعد أسبوع واحد، وقع زلزال آخر في جنوب شرق إيران في 16 أبريل أدى إلى مقتل فرد واحد مع جرح العشرات لوقوعه في منطقة صحراوية نائية بمحافظة سيستان- بلوشستان، غير أن الزلزال قد بلغت قوته 7.8 بمقياس "ريختر" وأصابت ارتداداته باكستان مما تسبب في وقوع 35 قتيلاً، وشعر به سكان الهند وأفغانستان، وأيضاً سكان المناطق الشرقية في دول الخليج حيث تم إخلاء المكاتب والمباني العالية.
وأعلن "المركز الإيراني للزلازل" أن الزلزال الأخير بلغت قوته 7.7 على مقياس "ريختر"، وعُدّ أقوى زلزال يضرب إيران منذ عام 1957، وأنه وقع على عمق 18 كيلومتر وعلى بعد 80 كيلومتر شمال مدينة سروان قرب الحدود مع باكستان، فيما لفتت "هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية" إلى أن "زلزالاً بقوة 7.8 درجات على مقياس "ريختر" ضرب محافظة سيستان- بلوشستان الإيرانية المحاذية لباكستان على بعد 86 كيلومتراً إلى الجنوب الغربي من إقليم خاش". وأشارت إلى أن مركز الهزة على عمق 15 كيلومتراً وأيضاً على مسافة 167 كيلومتراً من مدينة إيران شهر في المحافظة ذاتها، وعلى بعد 199 كيلومتراً من زاهدان عاصمة المحافظة، و250 كيلومتراً إلى الشمال الغربي من تربت في باكستان .
هذا، واستبعد خبراء سعوديون في علم الجيولوجيا، تأثر مكامن النفط والمياه الجوفية في المملكة السعودية بالأنشطة الزلزالية التي شهدتها إيران، وقال الدكتور زهير نواب مدير "هيئة المساحة الجيولوجية" في السعودية: "إن مركز الزلزال (الثاني) يقع في مسافة تبعد عن المنطقة الشرقية قرابة 1200 كيلومتر"، وبدوره أكد الدكتور عبد الله العمري المشرف على مركز الدراسات الزلزالية بجامعة الملك سعود، أن مركز الزلزال بعيد ولا يشكل أي خطوة على المخزونات النفطية السعودية وعلى المنشآت والمصانع، وقال إنه "عند الشعور بالهزة الأرضية في المنطقة الشرقية وأخليت كثير من المباني خصوصاً الأبراج التي يزيد عدد أدوارها على 6 أدوار، كانت قوتها في حدود 4 إلى 4.5 على مقياس "ريختر" ولا يشكل هذا المستوى من القوة أي خطورة على مكامن النفط أو المنشآت النفطية أو مصانع البتروكيماويات لأنها تم إنشاؤها وفق مواصفات تفترض مستويات من قوة أعلى من 4 درجات" .
غير أنه على الجانب الآخر شرعت شركات تأمين عاملة في الخليج وفي السوق السعودية على نحو خاص في إعادة تسعير بوالص التأمين ضد الكوارث الطبيعية بعد الزلزال الذي ضرب إيران، حيث أن بعض المصانع في شرق المملكة قد تتضرر مستقبلاً في حال تكرار مثل تلك الزلازل، مما يزيد الأعباء على شركات التأمين. وكشف خبراء تأمين أن بعض شركات إعادة التأمين تتحفظ على التأمين ضد الكوارث الطبيعية في مناطق معينة بسبب احتمالات تعرضها لزلازل، خصوصاً في المنطقتين الشمالية والغربية بالمملكة السعودية .
ثانيا- تأثير زلزال إيران على مفاعل "بوشهر":
في ضوء أن زلزال إيران الأول وقع على بعد 89 كيلومتر من إقليم بندر بوشهر حيث يقع مفاعل "بوشهر" النووي، فيما بلغت قوة الزلزال الثاني درجة 7.8 على مقياس "ريختر"، فإن ذلك كان سبباً لتجدد المخاوف بشأن إمكانية حدوث تسرب نووي من مفاعل "بوشهر" الذي يقع كما هو معلوم على مسافة لا تتعدى 200- 300 كيلومتر من عدد من عواصم دول الخليج العربي، وحتى مع تأكيد خبراء إيرانيين وروس أن مفاعل "بوشهر" لم يتأثر جراء الزلزالين ولكن لا يوجد طريقة للتأكد من سلامة المفاعل قبل صدور تقرير الوكالة الدولية للطاقة النووية المنتظر في مايو 2013 .
وقد أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنها تبلغت من طهران أنه "لم تحصل أضرار في مفاعل "بوشهر" النووي ولا تسربات إشعاعية من الموقع"، فيما أكدت شركة "أتومستروي إكسبورت" الروسية أن الزلزال "لم يؤثر بأي شكل على الوضع المعتاد في المفاعل حيث يتواصل العمل على النحو المعتاد، ومستويات الإشعاع ضمن نطاقها الطبيعي تماماً" .
وذلك مع تأكيد مسؤول منظمة الطاقة النووية الإيرانية فريدون عباسي ديواني أن مفاعل "بوشهر" النووي لم يتضرر جراء الزلزال الأول الذي وقع بالقرب من المفاعل، وأوضح ديواني لوسائل الإعلام أن المحطة كانت متوقفة "لأعمال صيانة" عندما وقع الزلزال، وأضاف: "لم تكن محطة الطاقة تولد الكهرباء أو ترسلها إلى الشبكة في ذلك الوقت، ومع ذلك فإن محطة "بوشهر" للطاقة مصممة لتتحمل زلازل تزيد قوتها على ثماني درجات بمقياس ريختر وهي تعمل". وصرح بأن الموقع في "بوشهر" يمكن أن يستوعب ستة مفاعلات للطاقة، وأن بناء وحدتين جديدتين قادرتين على إنتاج 1000 ميجاوات على الأقل سيبدأ هناك في المستقبل القريب .
وأيضاً قال محمد أحمديان، مساعد رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، أن مفاعل "بوشهر" تم تصميمه وإنشاؤه وفق المواصفات الدولية الأحدث والأكثر صرامة، وتحت رقابة وإشراف كامل وصارم في كل مراحل البناء، منوهاً إلى مركز نظام الأمان في إيران والذي يعمل بالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية كان مشرفاً على ذلك. وأشار أحمديان إلى أن المفاعل يمثل أيضاً رمزا لمستوى الصناعات النووية الروسية، ولذلك فإن الشركة الروسية التي كانت تتولى بناؤه كانت على إشراف تام على كامل مراحل البناء، مشيراً إلى أن كل ذلك موثق وبإمكان أي شخص أو مؤسسة الاطلاع على ذلك بشكل مهني.
وأوضح مساعد رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية أن منظومات الأمان في مفاعل "بوشهر" ذاتية التشغيل، وإذا ما حدث زلزال فإنها تعطل المفاعل أوتوماتيكياً لتتيح للخبراء والمهنيين تفتيش الأقسام المختلفة للتأكد من سلامتها، منوهاً إلى أن هناك سلسلة من أنظمة الأمان الإشعاعي معبأة في المحطة على شكل دوائر أمان، وإذا ما تعطلت أي منها فإن التالية سوف تعمل على حفظ المحطة من الإشعاعات. وأشار إلى أن تجمعات سكانية كثيرة تتواجد في المناطق المحيطة بالمفاعل، وأكد حرص الجمهورية الإسلامية على سلامة هؤلاء وعدم تعرضهم لأي خطر نتيجة عمل المفاعل، معتبراً أن اختيار موقع المفاعل تم على أسس وقواعد علمية ووفقاً لتوصيات الوكالة الدولية للطاقة الذرية .
ولكن على الرغم من تصريحات المسؤولين الإيرانيين، فقد أثار النشاط الزلزالي في إيران المخاوف مجدداً حول احتياطات السلامة في مفاعل "بوشهر" النووي، وذلك للأسباب والمحددات التالية:
- جاء في تقرير نشرته مؤسسة "كارنيجي" البحثية الأمريكية واتحاد العلماء الأمريكيين في الأسبوع الأول من أبريل 2013، أن "من نذر الخطر أن مفاعل "بوشهر" يقع على تقاطع ثلاث صفائح تكتونية، وهي الصفائح التي تحدث الزلازل عند حدودها بسبب حركاتها النسبية" . وتساءل الكثيرون عن حكمة بناء المفاعل، الذي بدأ عمله الفعلي في سبتمبر 2011، في إحدى أخطر مناطق الزلزال في إيران، بل إن "مجلس الموارد الطبيعية" في نيويورك وضع مفاعل "بوشهر" ضمن إحدى أخطر مناطق الزلازل في العالم بأسره، وذلك وفقاً لتقرير نشره عام 2011 عن أخطار الزلازل في المفاعلات النووية، بناء على بيانات "البرنامج العالمي لتقييم الأخطار السيزموغرافية" في أنحاء مختلفة من العالم .
ويشار في هذا الشأن إلى أن إيران تقع على خطوط صدع رئيسة، وتعرضت للكثير من الهزات الأرضية المدمرة في الأعوام الأخيرة، ومنها زلزال بلغت قوته 6.6 درجة على مقياس "ريختر" ضرب مدينة "بم" في جنوب شرقي البلاد في ديسمبر من عام 2003 مما أدى إلى مقتل 31 ألف شخص، وضرب زلزالان آخران شمال غرب البلاد في أغسطس من عام 2012 وأسفرا عن مقتل ما يزيد عن 300 شخص وإصابة أكثر من 4500 آخرين ، وذلك فضلاً عن تعرض إقليم "كرمان" من قبل هزة أرضية عنيفة كانت واحدة من أكبر الزلازل التي وقعت في القرن العشرين في 28 نوفمبر من عام 1945، وبلغت قوته 8.1 درجة على مقياس "ريختر"، وأحدث الزلزال وقتها انزلاقات أرضية أدت إلى غوص أجزاء من ميناء ومدينة "بانسي" الإيرانية الواقعة على بحر العرب، وتسبب أيضاً زلزال "كرمان" في حدوث موجات تسونامي عاتية ألحقت الكثير من الدمار والخسائر، بخلاف الأضرار التي تسبب فيها الزلزال نفسه، حيث وصلت موجات التسونامي إلى كراتشي التي تبعد 360 كيلومتراً عن مركز الزلزال، كما وصلت إلى بومباي على بعد 1100 كيلومتر من "بانسي" الإيرانية .
- ليس هناك خلاف حول أن أي حادث نووي قد يتعرض له مفاعل "بوشهر" جراء أي زلزال مدمر قد تتعرض له البلاد سيكون مدمراً، ليس في إيران وحدها بل في جميع المدن العربية المطلة على الخليج، فأي حادث في المفاعل النووي الذي يقع في منطقة الزلازل يمكن أن ينشر آثاراً مدمرة في جميع المناطق المجاورة له وبسبب حركة الرياح. وكما في الحوادث النووية في أوكرانيا واليابان وغيرهما، فإن التدمير النووي مروع، بالغ السرعة في الانتشار، تمتد آثاره مئات الكيلومترات من موقع الحادث، ويستمر بعضها عشرات بل مئات السنين، وبالإضافة إلى تلوث الهواء يمكن أن تؤدي أي حادثة نووية في مفاعل "بوشهر" إلى نشر التلوث بسرعة في مياه الخليج التي تعتمد عليها معظم دول مجلس التعاون في تحلية مياه الشرب.
وقلق دول الخليج من إمكانية وقوع حادث نووي في "بوشهر" مُبرّر وحقيقي، وليس سياسياً أو مفتعلاً كما تحاول أن توحي إيران، وذلك بسبب قرب المفاعل من عواصم دول المجلس التعاون ومراكز الثقل السكاني فيها. فمفاعل "بوشهر" أقرب إلى تلك العواصم منه إلى العاصمة الإيرانية طهران التي تقع على بعد 1300 كيلومتر شمال المفاعل، في حين أن هذا المفاعل يقع مقابل مدينة الخفجي السعودية على الساحل الغربي من الخليج على بعد نحو 200 كيلومتر فقط، وعلى بعد 250 كيلومتراً من العاصمة الكويتية، كما يبعد نحو 300 كيلومتر عن البحرين وقطر والدمام والخبر والظهران، و400 كيلومتر عن أبوظبي ودبي ومدن الإمارات العربية المتحدة الأخرى، بل إن مفاعل "بوشهر" أقرب إلى سلطنة عمان وإلى الرياض منه إلى طهران .
- بالإضافة إلى موقعه، فإن عمر مفاعل "بوشهر" الذي يبلغ نحو أربعين عاماً، وتعدد الشركات التي صممته وبنته، ومحدودية التقنيات والقدرات الفنية المتوفرة لدى إيران لتشغيله والحفاظ على السلامة فيه، كلها أسباب تدفع إلى القلق الدولي والإقليمي حول سلامة المفاعل واحتياطات السلامة فيه، خاصة لدى حدوث زلزال. ويُشار إلى أن تشغيل مفاعل "بوشهر" النووي –الذي بنته روسيا وتزوده بالوقود- بدأ خريف عام 2011، غير أن المحطة تعرضت لأعطال تقنية منذ تدشينها رسمياً في أغسطس 2010. وكانت موسكو أتمت بناء المحطة النووية الوحيدة في إيران التي بدأ الألمان تشييدها قبل قيام الثورة عام 1979 .
وأثناء الاختبارات التي أجريت في مفاعل "بوشهر" في فبراير 2011، تعطلت مضخات الطوارئ الأربعة الخاصة بالتبريد في المفاعل والتي تعود إلى السبعينات، مما أدى إلى وجود أجسام معدنية صغيرة في مياه التبريد، واضطر المهندسون في المنشأة إلى تنظيف قلب المفاعل جيداً وهي عملية أدت إلى المزيد من التأجيل لافتتاحه، وخلال شهر أكتوبر من عام 2012 تم إغلاق المفاعل وتفريغ قضبان الوقود بعد العثور على بعض الصواميل المتفرقة أسفل خلايا الوقود. هذا ويخضع مفاعل "بوشهر" لإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتعد التكنولوجيا المستخدمة غير خاضعة لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة، وبهذا أفلت من العقوبات التي تفرضها الأمم المتحدة على إيران .
- مما يضاعف يضاعف من أسباب قلق دول الخليج هو "تسييس" بعض المسؤولين الإيرانيين لموضوع السلامة النووية في مفاعل "بوشهر"، حيث ظهروا في وسائل الإعلام محاولين التقليل من أهمية ما يُثار عن سلامة المفاعل، دون توفير أدلة مقنعة بسلامته، معتبرين أن المخاوف الخليجية في هذا الشأن، وما يثار عن قصور إجراءات السلامة في "بوشهر" ومخاطر وقوع الزلازل في المنطقة المحيطة به، إنما هي "دعاية إعلامية لا أساس لها"، وأن الغرب إنما يهدف إلى تخويف وترويع الدول العربية المجاورة لإيران لإثارة المشكلات معها وإلهائها عن الاستمرار في برنامجها النووي، ومؤكدين في هذا الشأن أن هناك ثلاثة ملايين نسمة بمحافظة بوشهر "فلو كانت طهران تشعر بالخطر فعليها أن تخاف على شعبها قبل شعوب الدول الأخرى" .
هذا، ولم تغير إيران من موقفها تجاه التفتيش الدولي غير المقيد لمنشآتها النووية، كما لم تكشف عن أي خطط للطوارئ في حال تعرض تلك المنشآت لأي حادث. وموقف إيران تجاه زلزال بوشهر يُذكّر بموقفها في عام 2012 تجاه ما تناقلته الأخبار عن حادث فني داخل مفاعل "بوشهر" أيضاً؛ فالتكتم الرسمي وعدم التعاون الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية يزيدان من قلق جيران إيران حول احتياطات السلامة فيها .
- مما يزيد الوضع سوءً، هو حرمان العقوبات الدولية إيران من الحصول على مساعدة نووية ومنع العلماء الإيرانيين من المشاركة في أي ورشة عمل عن أمان المنشآت النووية، كذلك يعد رفض إيران الالتزام بالاتفاقات الدولية التي تحدد شكل الأمان في مجال التكنولوجيا النووية أمراً مزعجاً، بجانب عدم توقيعها على اتفاقية الأمان النووي التي تضع نظاماً مشتركاً من الرقابة يتضمن معايير خاصة بالموقع والتصميم والبناء وعمل المنشآت النووية .
وبالرغم من الحقائق السابق الإشارة إليها، يؤكد المسؤولون في إيران أنهم مازالوا يعتزمون بناء مفاعلين نووين إضافيين في "بوشهر"، بالإضافة إلى 16 مفاعلاً جديداً في مناطق أخرى من إيران، حيث أعلنت وسائل الإعلام الإيرانية أن طهران تعتزم بناء مزيد من مفاعلات الطاقة النووية في المنطقة الساحلية المعرضة للزلازل، الأمر الذي أكده رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية فريدون عباسي دواني .
ثالثا- الموقف الخليجي من مخاطر "بوشهر":
أبدت دول مجلس التعاون الخليجي في أكثر من مناسبة قلقها البالغ من إجراءات السلامة المتعلقة بمفاعل "بوشهر" بإيران، والذي لا يبعد عن سواحل دول الخليج سوى مسافة تجعلها في دائرة الخطر مع أي تسرب أو انفجار. ففي "قمة فهد" التي عقدت في أبو ظبي عام 2005، أعلن قادة دول المجلس بياناً أعربوا فيه عن القلق البالغ من موقع ومدى أمان المفاعل الإيراني، وما يزيد القلق هو عدم توقيع إيران أو إلزامها بأي اتفاقية أو ميثاق للإنذار المبكر والتحذير من أي تسرب نووي مع أي دول خليجية أو أي دولة أخرى في المنطقة . ولذلك اتخذت دول الخليج عدد من الإجراءات في أعقاب الزلزالين اللذان وقعا بإيران في أبريل 2013.
فمن ناحية أولى: وإثر زلزال التاسع من أبريل، اجتمع مسؤولو اللجان الوطنية للطوارئ بدول مجلس التعاون الخليجي في الرياض في 14 أبريل لبحث مخاطر تسرب الإشعاع في منطقة الخليج في حال تعرض مفاعل "بوشهر" إلى زلزال آخر. وقال الأمين العام للمجلس الدكتور عبد اللطيف الزياني في مستهل الاجتماع: "لا يخفى عليكم أن الهزة الأرضية التي تعرضت لها مدينة بوشهر الإيرانية أثارت قلقاً بالغاً في دول المجلس والمجتمع الدولي من احتمال تعرض المفاعل النووي الإيراني في بوشهر لأضرار قد تتسبب في تسرب إشعاعي"، وأشار إلى أن الاجتماع الطارئ للمسؤولين في لجان الطوارئ الخليجية بالرياض درس متطلبات تنفيذ الخطط الوطنية للطوارئ في دول المجلس والتجهيزات المتوفرة لتفير الحماية اللازمة للقاطنين من مواطنين ومقيمين، وسبل التنسيق والتعاون المشترك بين الجهات المعنية بالطوارئ في دول المجلس، والخطط اللازمة للتواصل مع المنظمات والوكالات الدولية المتخصصة في الطاقة النووية، مبيناً كذلك أنه تم الاتفاق على تكثيف التواصل وتبادل المعلومات والتنسيق المشترك بين اللجان الوطنية للطوارئ في دول المجلس، وأهمية الإسراع في إنشاء مركز إدارة الطوارئ الخليجي في دولة الكويت.
وقال إن المسؤولية الملقاة على عاتق اللجان الوطنية للطوارئ في دول الخليج في ظل مثل هذه الظروف مسؤولية جسيمة، الأمر الذي يحتم على تلك اللجان الإسراع في تدارس الوضع بكل احتمالاته، وإعداد خطط العمل الجماعي المشترك لكيفية مواجهة مثل هذه الأخطار بتعاون وتنسيق شامل ومتكامل، مؤكداً أنه ينبغي لدول الخليج وضع خطة مشتركة للتعاون في مواجهة أي تسرب محتمل من المحطة النووية الإيرانية .
وأضاف أن "دول مجلس التعاون الخليجي سبق أن نبهت إلى خطورة وضع المفاعل النووي الإيراني في بوشهر وحذرت من احتمال التسرب الإشعاعي وتأثيراته الضارة على البيئة الطبيعية في منطقة الخليج". وأشار الى أن دول الخليج حثت طهران من قبل على ضرورة ضمان مطابقة منشآتها النووية لمعايير السلامة الدولية والانضمام إلى اتفاقية السلامة النووية، إلا ان طهران لم تبد أي علامة على تجاوبها مع المخاوف الدولية بشأن برنامجها النووي، وتطبيق أعلى معايير السلامة في منشآتها النووية، وانتهاج مبدأ الشفافية في برنامجها النووي، لتطمين المجتمع الدولي حول سلامة وأهداف هذا البرنامج .
وأكد الدكتور الزياني ضرورة أن تبادر الوكالة الدولية للطاقة الذرية بإرسال فريق فني متخصص لمعاينة المفاعل النووي الإيراني في بوشهر، والوقوف على أضراره المحتملة، محملاً طهران مسؤولية سلامة المنشآت النووية، وطالبها بضرورة التزام المعايير الدولية للأمن والسلامة في المنشآت النووية. وقال إن الهزة الأرضية التي ضربت مدينة بوشهر ينبغي أن تدق ناقوس الخطر حول سلامة المفاعل النووي فيها، باعتبار أنه يقع في منطقة النشاط الزلزالي في إيران، وأن الوكالة الدولية للطاقة الذرية مطالَبة بتحرك سريع لمعالجة الوضع وحماية البيئة الطبيعية من أي أضرار محتملة، مشدداً على أهمية وجود الشفافية فيما يتعلق بوجود تسربات إشعاعية، وهي مسئولية تقع ضمن اختصاصات الوكالة .
ومن ناحية ثانية: رفع سفراء دول مجلس التعاون الخليجي في النمسا المندوبون الدائمون لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية رسالة جماعية إلى مدير الوكالة متضمنة قلق دول مجلس التعاون من احتمال وقوع حوادث نووية نتيجة للهزات الأرضية بالقرب من مفاعل "بوشهر" النووي، وطالب السفراء في بيان نُشر في ختام اجتماعهم الذي انعقد في 18 أبريل 2013 بالعاصمة النمساوية فيينا، الوكالة بالتحرك السريع والعمل مع إيران وفقاً لمبادئ الشفافية ومعايير السلامة النووية، كما اتفق السفراء على أن يتم الالتقاء مع مدير عام الوكالة خلال الأيام القليلة القادمة لإيصال ذات الرسالة وما تضمنته من موقف خليجي مشترك حيال هذا الموضوع المهم.
وأكد السفراء أن هناك مخاطر بيئية حقيقية تهدد منطقة الخليج العربي، بسبب الأحداث والتطورات الأخيرة المتصلة بنشاط المفاعل النووي الإيراني في "بوشهر"، مؤكدين أهمية أن تكون دول الخليج على أهبة الاستعداد للتصدي لأي أضرار بيئية محتملة قد تنشأ عن أي تسرب إشعاعي من مفاعل بوشهر، وأوضح السفراء أن قلق دول المجلس راجع لموقع المفاعل المطل على الخليج العربي واحتمالية وقوع حادثة نووية في المنشأة، نتيجة أنشطة زلزالية مستقبلية في أو بالقرب من موقع المفاعل، ولما سيكون لذلك من تأثيرات محتملة على الدول المجاورة. وأقر السفراء بحق الدول في استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية، وأكدوا أن الاستفادة من هذا الحق يتطلب الإلتزام بمعايير السلامة النووية .
ومن ناحية ثالثة: أعلن مركز الطوارئ البحري الموحد في الخليج أنه لا يمتلك أدلة كافية حول قيام الجانب الإيراني بإجراءات ومعايير سلامة دولية في مفاعل "بوشهر"، وأن التعاون الإيراني كان جيداً فقط على الطاولة مشيراً إلى أن مقدار مقاومة المفاعل للاهتزازات الأرضية لا تتعدى 6.5 وأن التسربات الإشعاعية من شأنها أن تحول دول الخليج إلى مناطق غير قابلة للحياة.
وقال عبد المنعم الجناحي، مدير مركز المساعدة المتبادلة للطوارئ البحرية، قائد مركز الطوارئ البحرية في الخليج، أن كل المخاوف من تسرب إشعاعات نووية من المفاعل النووي في "بوشهر" كانت واردة لدى جميع الخليجيين، مؤكداً أن مركز قوات الطوارئ البحرية يضم فريقاً متخصصاً في المجال الإشعاعي والسلامة النووية كان على تماس مع جميع التطورات التي نتجت عن الزلزال الذي ضرب إيران مؤخراً. وأفاد الجناحي أن ضباط الاستجابة شرعوا منذ وقت مبكر لمعرفة جميع الحيثيات، وعلى علم كامل بالحوادث النووية السابقة، مشيراً إلى أنه منذ أعوام مضت، وجه ضباط الاستجابة تساؤلات للجانب الإيراني عن السبب في عدم وجود المفاعل على بحر العرب بدلاً عن الخليج العربي، فرد الجانب الإيراني بأن: "سواحل الخليج العربي مناطق زلزالية، بينما الخليج العربي بيئة آمنة، ونحن في أمس الحاجة نحو الطاقة النووية السلمي لتشغيل الطاقة الكهربائية النظيفة"، وذهب الجناحي بالقول: "إن المخاطر جراء التسربات الإشعاعية واردة".
وحول المخاوف التي ينطلق منها الخليجيون، أشار الجناحي إلى "وجود معايير عالمية للمنشآت النووية على شكل كتب معتمدة، بيد أن التساؤل الأهم في هذا الإطار: هل تطبق هذه المعايير بشكل صحيح على مفاعل "بوشهر" أم لا؟ ونحن نقول: ليس لدينا ضمانات كاملة حول ماهية التطبيق وجودة أدائه، وهل صاحب المفاعل عمليات تعبوية لدرء المخاطر والتعامل معها حال حدوثها؟ كل هذه الأمور نجهلها ونطلب معرفتها من الجانب الإيراني".
وحدد الجناحي جغرافية البيئة التي من الممكن أن تطالها التسربات الإشعاعية بالمنطقة الخليجية بالكامل، ضارباً مثلاً بأن "الترسبات الإشعاعية التي صاحبت مفاعل "تشرنوبل" ضربت المجسات في شمال الكويت، فلك أن تتخيل مئات الكيلومترات فقط تفصل المنطقة عن مفاعل بوشهر!". وأبان الجناحي أن المنظمة بصدد دراسة لمعرفة البقعة الجغرافية التي من الممكن أن تصيبها إشعاعات المفاعل بالتحديد تمهيداً لتزويد الجانب الإيراني بالإجراءات الإضافية التي من الممكن أن يقوموا بتقديمها وتنفيذها، مشيراً إلى أن الجانب الإيراني متعاون على الطاولة ولكن نجهل حقيقة التعاون في الميدان .