حقق المؤتمر الدولي للمانحين لدعم الوضع الإنساني في سورية والذي استضافته دولة الكويت بمبادرة من حضرة صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد نجاحا باهرا أشاد به العالم حيث تمكن المؤتمر من تجاوز هدفه المعلن وجمع بحسب التعهدات المعلنة من الدول المانحة أكثر من 1.5 مليار دولار لتمويل عمليات التصدي للأزمة الإنسانية في سورية.
وافتتح صاحب السمو أمير البلاد المؤتمر بإعلان تقديم الكويت 300 مليون دولار لدعم الشعب السوري، مؤكدا سموه أن تجاهل النظام السوري لمطالب شعبه العادلة وعدم قبوله للمبادرات الإقليمية والدولية سببان للحقائق المفزعة والواقع الأليم، وشدد سموه على أن على مجلس الأمن المسارعة في توحيد صفوفه وتجاوز المواقف المحبطة لإيجاد حل سريع لمأساة الشعب السوري.
وفي كلمته الختامية للمؤتمر قال سموه: رغم المساهمات السخية التي تم الإعلان عنها إلا أننا لا نزال مطالبين بالعمل على توفير أكبر قدر من المساعدات والموارد المالية لمواجهة هذه الكارثة الإنسانية التي يمر بها الشعب السوري.
من جهته أعلن أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون ان المؤتمر الدولي للمانحين لدعم الوضع الإنساني السوري قد تخطى الهدف المنشود وجمع أكثر من 1.5 مليار دولار استجابة لأزمة اللاجئين السوريين، ذلك بقيادة صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد، الذي احتضن المؤتمر بمشاركة الأسرة الدولية تآزرا مع هذا الشعب.
وأضاف بان كي مون خلال مؤتمر صحافي عقب اختتام اجتماعات المؤتمر، ان هذا المبلغ يشمل 184 مليون دولار تبرعت بها منظمات غير حكومية وخيرية في منطقة الخليج العربي، مضيفا ان هذا المؤتمر يعتبر اكبر مؤتمر للدول المانحة ولتقديم التعهدات في تاريخ الأمم المتحدة، معربا عن أمله ان يحدث هذا المؤتمر فرقا ملموسا في حياة اللاجئين السوريين الذين يحتاجون للمساعدة، قائلا انه يرسل لهم رسالة سلام وأمل عقب هذا المؤتمر.
وتعهد بان كي مون بضمان استخدام الأمم المتحدة لهذه الموارد بالطريقة الأكثر كفاءة بما يضمن إنقاذ حياة الناس، موجها رسالة للسوريين «انتم لستم وحدكم.. العالم برمته الى جانبكم في هذه الأزمة التي تعيشونها وسنواصل صمودنا الى جانبكم الى حين إخراج سورية من براثن هذه الأزمة والى حين إنقاذ الشعب السوري».
وتوجه بان كي مون بالشكر للكويت لاستجابتها لعقد هذا المؤتمر، قائلا: ان تعهد الكويت بتقديم 300 مليون دولار سيساهم في إنقاذ حياة الكثيرين وستبقى الكويت مثالا يحتذى به، داعيا البلدان المجاورة لسورية كلبنان والأردن والعراق وتركيا إلى مواصلة دعمها للاجئين السوريين باستضافتهم لديها طالبا إليهم الوفاء بوعودهم بإبقاء الحدود مفتوحة أمام هؤلاء اللاجئين الفارين من العنف، لافتا الى ان الشعب السوري بأمس الحاجة لهذه المساعدة خاصة بعد مرور حوالي سنتين من العنف والقتل المتواصل.
وأكد ان المساعدة الإنسانية لا يمكن ان تكون بديلا عن الحل السياسي فلابد من وقف العنف ومثول مرتكبي الانتهاكات أمام القضاء والعدالة، مؤكدا انه لا يمكن التواني ولو للحظة في الجهود الرامية الى مساعدة كل محتاج، مشيرا الى أهمية البعد الإنساني في ظل تفاقم هذه الكارثة وتوسع رقعتها، الأمر الذي دفع بالسوريين الى ترك قراهم وديارهم واللجوء الى حيثما أمكنهم ذلك.
ولفت الى ان التدخلات الإنسانية لصالح الشعب السوري تبدأ من السوريين أنفسهم، فقد ساهمت المنظمات غير الحكومية السورية في عملية توصيل المساعدات والإغاثة على الأرض في كل المحافظات السورية بغض النظر عن التحديات التي واجهتها.
وأكد ان الاجتماع يأتي التزاما بإيصال المساعدات الى اللاجئين السوريين سواء كانوا نازحين في الداخل أو لاجئين في أي من الدول المجاورة، ويتجاوب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابعة للأمم المتحدة بأسرع طريقة ممكنة، وعليه سنواصل عملنا بالتعامل مع هذا المكتب، ومع حكومات البلدان التي استضافت هؤلاء اللاجئين، لافتا الى ان الأمم المتحدة تمكنت من مساعدة مليون و500 ألف لاجئ في المناطق المجاورة، ولاشك ان «اليونيسيف» ومنظمة الصحة العالمية قد ساعدتا على تلقيح ملايين الأطفال ضد مرض الحصبة وشلل الأطفال ومازالت تلك الوكالات الأممية تقوم بعملها.
من جانبه، أكد نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية الشيخ صباح الخالد ان الهدف من المؤتمر انساني بحت، كما انه يعتبر رسالة انسانية في المقام الأول كونه يسعى لتوفير اكبر قدر ممكن من الدعم الإنساني للشعب السوري وتخفيف معاناته، مشيدا بالجهود التي تقوم بها الأمم المتحدة وأمينها العام بان كي مون ومنظمات الأمم المتحدة المتخصصة والمنظمات الدولية ذات الصلة والمنظمات الحكومية وجميع المسؤولين المعنيين بالشؤون الإنسانية والإغاثة واللاجئين تجاه الأزمة السورية والمشردين السوريين في الداخل والخارج.
وأمل الخالد ان تكون الجهود الجماعية قد ساهمت في تحقيق هذا الهدف السامي الذي نسعى اليه في هذا المؤتمر الدولي الإنساني رفيع المستوي، متطلعا ان تقوم بقية الدول التي لم تتبرع بالمساعدة وتوفير الموارد المالية المطلوبة في القريب العاجل، مشيدا بسخاء الدول المتبرعة.
وشدد الخالد على ان تداعيات الأزمة السورية وإفرازاتها لا تقتصر على دول الجوار وإنما على المنطقة بأكملها، فالمطلوب العمل مع الدول المجاورة لمساعدة النازحين واللاجئين السوريين الطالبين للأمن والأمان المفتقد في بلادهم، مؤكدا ان المجتمع الدولي بأكمله يقف معهم في هذا الهدف النبيل، فما شاهدناه اليوم في مؤتمر الكويت أبرز تكاتف الأسرة الدولية لمساعدة وتخفيف معاناة الشعب السوري وتلبية تطلعاته.
من جانبها أشارت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية فاليري اموس الى ان المبلغ الاجمالي الذي تعدى الـ 1.5 مليار دولار سيذهب للمنظمات الأممية منها مفوضية شؤون اللاجئين وبرنامج الغذاء العالمي والتي تعمل جميعها مع المنظمات المحلية والدولية.
ووجه صاحب السمو الأمير في كلمته الافتتاحية للمؤتمر الدولي للمانحين لدعم الوضع الانساني في سورية نداء مخلصا الى أعضاء مجلس الأمن بأن يضعوا المعاناة اليومية للشعب السوري الشقيق وآلام لاجئيه ومشرديه نصب أعينهم وفي ضمائرهم حين يناقشون تطورات هذه المأساة الانسانية أن يتركوا أي اعتبارات لاتخاذ قراراتهم جانبا.
وفيما يلي النص الكامل لكلمة صاحب السمو الأمير أمام المؤتمر:
يسرني بداية ان أرحب بكم في الكويت شاكرا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون مبادرته بالدعوة لعقد هذا المؤتمر الدولي الهام رفيع المستوى للمانحين لدعم الوضع الانساني في سورية والذي يأتي في إطار الجهود الدولية الحثيثة للمساهمة في التخفيف من المعاناة الانسانية للشعب السوري الشقيق في ظل أزمة مستمرة لأكثر من اثنين وعشرين شهرا مقدرا تلبيتكم الدعوة ومتمنيا لأعمال المؤتمر كل التوفيق والنجاح.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو :
تأتي استضافة بلادي الكويت لهذا الاجتماع الهام بالتعاون والتنسيق مع الأمم المتحدة واستجابة لمبادرة مقدرة من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إيمانا منها بضرورة دعم كل الجهود والمساعي الدولية لمواجهة التحديات والمخاطر التي تهدد الاستقرار العالمي وتزعزع الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لكثير من دول العالم.
وإننا إذ نسجل للأمين العام للأمم المتحدة وعلى اثر ازدياد التطورات في سورية خطورة وتعقيدا تعيينه لكل من كوفي عنان الأمين العام السابق والأخضر الإبراهيمي كممثلين رفيعي المستوى له ليعملا على الاتصال بكل الأطراف بسورية والدول الإقليمية المؤثرة، وهذا التعيين الذي ولأهميته تبنته أيضا جامعة الدول العربية ليصبحا مبعوثين للأمم المتحدة والجامعة العربية وإننا لنأسف في الوقت ذاته شديد الأسف انه ورغم كل ما بذلاه من جهد مخلص وما قدماه من أفكار وخطط لو تمت الموافقة عليها لما استمرت معاناة الشعب السوري وآلامه ولهذا الحد المفزع الذي تشهده حاليا.
كما يعقد مؤتمرنا اليوم والكارثة الإنسانية في سورية تشهد تصعيدا متواصلا فأعداد القتلى تتضاعف والدمار أصبح عنوانا لجميع الأحياء في سورية دون تمييز.
ان التقارير المفزعة والأرقام المخيفة والحقائق الموثقة التي تنقلها الوكالات الدولية المتخصصة والتي نتابعها بكل الحسرة والألم تدعونا الى الخوف على مستقبل وأمن سورية ووحدة ترابها وشعبها الشقيق وعلى أمن واستقرار المنطقة.
فلقد أرعبنا التقرير الأخير للمفوضية السامية لحقوق الانسان والذي أكد وقوع أكثر من ستين ألف قتيل من الضحايا والأبرياء من رجال ونساء وأطفال وتضاعف عدد المفقودين والمعتقلين والجرحى، حيث وصل الى عدة مئات من الآلاف إضافة الى أكثر من ستمائة ألف لاجئ في دول الجوار يعانون أوضاعا معيشية مأساوية في ظل ظروف مناخية قاسية.
ولا يفوتني هنا الإشادة بالجهود المبذولة من قبل الدول المضيفة للاجئين وهي المملكة الأردنية الهاشمية والجمهورية اللبنانية والجمهورية التركية وجمهورية العراق لما يقدمونه من خدمات انسانية واغاثية ضخمة لمجتمع اللاجئين، كما نشيد بالجهود الكبيرة التي تبذلها المفوضية العليا لشؤون اللاجئين ومكتب تنسيق الشؤون الانسانية والمنظمات والوكالات الدولية الأخرى العاملة في الميدان والتي تأتي في اطار العمل الانساني النبيل لمنظمة الأمم المتحدة والوكالات الدولية المتخصصة في هذا المجال غير أن هول الكارثة وعظم المصيبة يتطلب تضافر الجهود بمسعى دولي متكامل وإلى تنسيق تقديم المساعدات الانسانية لأشقائنا السوريين في الداخل والخارج وتوفير الاحتياجات الأساسية لهم من مأوى ومأكل وملبس.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو :
إن ما تضمنه تقرير منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) الأخير عن وضع القطاع الزراعي في سورية يؤكد حجم تلك الكارثة فقد أكد التقرير بأن دمارا كبيرا قد لحق بالبنية التحتية لقطاع الزراعة في سورية وأن إعادة اعماره سيحتاج الى وقت وجهد كبيرين حيث انخفض انتاج سورية من القمح الى ما دون 50% وان المزارعين هناك غير قادرين على جمع ما تبقى من محاصيلهم الزراعية بسبب انعدام لأمن ونفاد الوقود مما يضاعف من المأساة الانسانية ويحرم هؤلاء المزارعين من مصدر رزقهم.
ان هذه الحقائق والأرقام تضع على عاتقنا مسؤوليات جسام وتدفعنا الى العمل وبأقصى طاقة ممكنة لمواجهة تلك الكارثة والإسراع لحقن دماء أشقائنا والحفاظ على ما تبقى من بنية تحتية لبلدهم.
ان تلك الكارثة الانسانية والحقائق المفزعة والواقع الأليم سببه تجاهل النظام لمطالب شعبه العادلة وعدم قبوله بالمبادرات الاقليمية والدولية الساعية الى انهاء هذه الكارثة.
ومما يضاعف من معاناة أبناء الشعب السوري أن أفق هذه الأزمة لا تلوح به بوادر حل ليضع حدا لنزيف الدم وينهي آلام شعب عانى من التشرد.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو :
ان الأمم المتحدة ولاسيما مجلس الأمن وهو الجهة المناط بها حفظ الأمن والسلم في العالم مطالب بعد مضي ما يقارب السنتين على اشتعال الأزمة بأن يسارع بتوحيد صفوفه وتجاوز بعض المواقف المحبطة لإيجاد حل سريع لهذه المأساة ومن هذا المنبر نوجه نداء مخلصا لأعضاء مجلس الأمن بأن يضعوا المعاناة اليومية للشعب السوري الشقيق وآلام لاجئيه ومشرديه نصب أعينهم وفي ضمائرهم حين يناقشون تطورات هذه المأساة الإنسانية وان يتركوا أي اعتبارات لاتخاذ قراراتهم جانبا وان التاريخ سيقف حكما على دور مجلس الأمن في هذه المأساة.
فعلاوة على الدور المميز والحيوي الذي تقوم به الأمم المتحدة ووكالاتها وبرامجها وصناديقها المختلفة ومع استمرار النداءات الانسانية العاجلة التي تطلقها الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية الأخرى لتقديم المساعدات الاغاثية الطارئة للشعب السوري فإنه بات لزاما علينا مضاعفة الجهود لتقديم المزيد ولحشد أكبر قدر من المساعدات الإنسانية والموارد المالية لتوفير الاحتياجات المطلوبة وان دعمكم اليوم لهذا المؤتمر واسهاماتكم سيكون بالتأكيد عاملا حاسما في تخفيف معاناة الأشقاء السوريين وتضميد جراحهم.
ان الكويت حكومة وشعبا ومنذ اندلاع الأزمة في سورية لم تدخر جهدا واستمرت في تقديم المساعدات الانسانية للشعب السوري الشقيق عبر مؤسساتها الرسمية والشعبية، كما انها اتخذت كافة السبل لدعمه في الداخل والخارج ومن خلال الهيئات الكويتية المتخصصة في العمل الاغاثي والطبي، حيث وصل اجمالي المساهمات المقدمة إلى ما يناهز الستين مليون دولار.
وفي ظل الأوضاع المأساوية التي يعاني منها اخوتنا في سورية وإيمانا منا بأهمية وضرورة إنجاح أعمال هذا التجمع الدولي فإنه يسرني أن أعلن عن مساهمة الكويت بمبلغ 300 مليون دولار لدعم الوضع الانساني للشعب السوري الشقيق آملا من الجميع ايصال رسالة الى هذا الشعب بأن المجتمع الدولي يقف الى جانبه ويشعر بمعاناته ولن يتخلى عنه في محنته.
وفي الختام لا يسعني الا أن أشكر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ومساعديه على ما قاموا به من جهد لإنجاح هذا الاجتماع المهم مبتهلا الى المولى تعالى ان يعجل انهاء تلك الكارثة الانسانية ليعود الأمن والاستقرار الى ربوع سورية الشقيقة وأن يوفقنا في تحقيق مقاصدنا النبيلة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.