تغطيات

منتدى دافوس ... سياسة واقتصاد وتجارة خدمات

ما ان تقترب دورة المنتدى الاقتصادي العالمي من موعدها السنوي في الأسبوع الأخير من شهر يناير من كل عام حتى تدب حركة غير عادية في منتجع دافوس السياحي استعدادا لاستقبال قيادات صناعة القرار السياسي والاقتصادي في العالم فتتغير مع حضورهم مظاهر الحياة في هذا المنتجع المعروف عنه الهدوء طيلة العام باستثناء هذه الفترة.
وبمجرد ان تطأ قدماك محطة قطار المنتجع القابع على قمم جبال الألب في أقصى شرقي سويسرا على ارتفاع 1560 مترا فوق سطح البحر حتى ترى افخر انواع السيارات تجوب شوارع المدينة وتقل كبار الشخصيات من اجتماع الى آخر ومن لقاء الى حفل استقبال وبين غذاء عمل ودعوة لتناول الشاي ومنه الى عشاء "لتبادل الافكار" مع مختلف الشخصيات من اصقاع الارض كافة.


وما من شك في ان تواجد هذه النوعية المتميزة من الزوار في فترة قصيرة للغاية ومساحة محدودة جدا يطرح السؤال حول ما يحتاجونه من خدمات سريعة ومنضبطة وآمنة بصورة غير عادية الا ان الشاهد طيلة سنوات المنتدى تقديم تلك الخدمات بسلاسة تثير الدهشة والاعجاب في آن دون وقوع حوادث تعكر صفو المنتدى او الديناميكية التي يتحرك بها.
ويمكن القول ان اهم تحد يواجه قطاع الخدمات في هذا المنتجع السياحي يتمثل في اقامة هؤلاء الضيوف اذ تفرض طبيعة هوياتهم المتميزة والهدف من زياراتهم المكثفة اقامة ذات مواصفات تتناسب معهم اذ يركز البعض في البحث على المبيت الاكثر امنا والبعيد عن اعين المتطفلين والاسهل وصولا عبر طرق لا تكثر فيها الثلوج كي لا تعرقل الوصول والرحيل اينما اراد الضيف.


وتلجأ اغلب الوفود الرسمية على مستويات رؤوساء الدول والحكومات والوزراء الى الفنادق الكبرى لتوافر عنصر الامن فيها ما يجعل تلك الفنادق تضع قائمة اسعار خاصة لهذا الموسم غير العادي الذي لا ينظر الزوار فيه الى الاسعار بقدر ما يهمهم الحصول على الخدمات المناسبة لهم من هذا الفندق او ذاك.
ومع هذا الاقبال الكبير على فنادق (دافوس) ورغم ارتفاع اسعارها التي لا تقبل المساومة لم يكن مستغربا ان تلجأ نسبة غير قليلة من سكان المنتجع الى الهجرة المؤقتة في هذا الوقت من العام ليس فرارا من الزحام وانما لتأجير بيوتهم خلال فترة المنتدى لتلبية الطلبات المتلاحقة على مبيت خلال تلك الفترة.


وتميل الوفود غير الرسمية وكبار ممثلي المؤسسات والشركات الاقتصادية الى استئجار شقق او فيلات مفروشة رغم الارتفاع الكبير في اسعار مبيتها اذ يفرض اصحاب تلك العقارات السعر الذي يرونه مناسبا فاذا كان متوسط سعر ايجار الشقة العادية يتراوح ما بين الف والفي دولار في الشهر فإن هذا الايجار يقفز الى ما بين ثلاثة الاف وعشرة آلاف دولار في الاسبوع الواحد حسب مساحة الشقة.
ولا يقتصر هذا الارتفاع الفلكي في الايجارات على مدينة (دافوس) فحسب بل يتجاوزها الى محيط لا يقل عن 20 كيلومترا حولها ليهبط السعر الى درجة "متهاودة" نوعا ما فيراوح بين 2500 دولار وسبعة الاف دولار للاسبوع الواحد وربما يكون لمساحة اكبر قليلا وعادة ما يقيم في تلك البيوت مرافقو الوفود الرسمية والقائمون على الاعمال المساعدة لهم.


وقال احد سكان المدينة والذي اكتفى بتعريف نفسه لوكالة الانباء الكويتية (كونا) باسم فالتر "قمت بالاعلان مرة واحدة عن رغبتي في تأجير غرفة في بيتي فاذا بطلبات الايجار تنهال علي من مختلف بقاع العالم فآثرت توكيل احدى شركات تأجير العقارات للتعامل مع مثل تلك الطلبات مقابل مبلغ تتقاضاه الى جانب انها تضيف رسوما اخرى تتراوح بين مائة دولار و300 دولار في اليوم تكون مخصصة لنفقات نثرية يصنفونها تحت بنود مثل "اداريات" و"اعمال نظافة" أو "صيانة".
وخلال تلك الفترة اقام فالتر في فندق يبعد 60 كيلومترا عن (دافوس) مؤكدا انه منذ ان اتبع هذا الامر اصبح يمضي عطلة مجانية في هذا الوقت من كل عام مؤكدا انه لم يكن ليتوقع ان يأتي فيه يوم يستمتع به بإجازة مجانية ويربح من خلالها مالا مثلما يحدث اثناء انعقاد المنتدى مؤكدا ان ايجار شقته لمدة اسبوع يدر عليه مبلغا جيدا رفض الافصاح عنه.


ومع هذا العدد الكبير من كبار الزوار تنشط كذلك بقية تجارة الخدمات مثل تأجير السيارات وخصوصا المصفحة منها والسائقين المدربين والمحترفين على القيادة الآمنة وسط الثلوج الكثيفة اذا يجب عليهم اجادة اكثر من لغة لكن اهم ميزة يتم البحث عنها لدى السائقين هي الكتمان الشديد اذ يستمع السائق لكافة المحادثات التي يجريها الضيف الهام سواء عبر الهاتف الذي لا يتوقف على الرنين او مع ضيف آخر اثناء الانتقال كما يجب على السائق الا يكون مدخنا كي لا ينحصر تركيزه فقط في القيادة.
ولا تقل اهمية الترجمة عن بقية الخدمات التي يحتاجها رواد المنتدى اذ على الرغم من ان الانكليزية هي لغته الرسمية الا ان مرتاديه من ارجاء المعمورة يفضلون ايضا ان يكون الحديث بلغتهم وهو ما يتطلب مترجمين فوريين محترفين متمرسين في مجالي السياسة والاقتصاد ويتميزون بسرعة البديهة لاسيما فيما يمكن وصفها بالكلمات ذات المعاني المزدوجة والتي ان نطق بها متحدث يجب ان تتم ترجمتها الى العربية والصينية واليابانية والاسبانية والروسية والفرنسية والالمانية والانجليزية.


اما الشأن الأمني فيتعهد به الجيش السويسري بقوة قوامها خمسة الاف جندي تنتشر في المدينة وحولها بعضها مرئي للعيان واخر لا تراه الا اذا رفعت رأسك الى السماء فترى قناصا ملثما هنا او هناك يتأهب للتدخل ان اقتضى الامر فضلا عن الشركات الخاصة التي لا تتحدث مطلقا عن خدمتها امام الاعلام.


 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى