مأساة إنسانية جديدة شهدتها مصر في الساعات الأولى من صباح الثلاثاء حين استيقظ المصريون على نبأ وقوع حادث مروع لقطار البدرشين, الذي راح ضحيته مجموعة من شباب مصر من أبناء الأمن المركزي وهم في الطريق إلى أداء واجبهم الوطني فمأساة قطار البدرشين نقلت أحاديث واهتمامات المصريين من المعترك السياسي والاقتصادي إلى المآسي الإنسانية التي يمكن تلافيها بإجراء عمليات الصيانة الدورية والإحلال والتجديد في مرفق السكك الحديدية. فاصل زمني قصير بين حادثي قطاري "أسيوط" و"البدرشين" جعلهما يتنافسا في البشاعة.. وقصر الفترة الزمنية بينهما (حوالي أربعة أشهر) أصبغ على حوادث القطارات في مصر صفة دورية الوقوع, كلما سنحت الظروف والأقدار أو لم تسنح.
تعد خطوط السكك الحديدية من أهم وأكبر مرافق النقل العام في مصر وأهمها على الإطلاق, حيث تمتلك حاليا 28 خطا حديديا يصل طولها حوالي 9735 كيلومترا و760 محطة ركاب, وهناك 1800 قطار يعملون على تلك الخطوط ذهابا وإيابا يقطعون مسافة حوالي 135 ألف كيلومتر كل يوم, ويرتاد مرفق السكك الحديدية يوميا حوالي 3 ملايين راكب.
ترنح هذا المرفق ليس بجديد.. فحوادثه متكررة بمعدلات تعد عالميا كبيرة, الأمر الذي حول تذكرة القطار إلى تأشيرة للخروج من الدنيا, إلى جانب أنه بات مقبرة لاستقالات عدد من وزراء النقل, حيث دفع حريق قطار الصعيد في عام 2002, الذى راح ضحيته أكثر من 350 مسافرا مما رشحه ليكون كارثة هى الأسوأ من نوعها فى تاريخ سكك الحديد المصرية منذ أكثر من 160 عاما, إلى استقالة وزير النقل إبراهيم الدميرى.
وأدى حادث قطار قليوب في عام 2005 إلى استقالة الدكتور عصام شرف وزير النقل والمواصلات آنذاك, وفى عام 2012 قبل الدكتور محمد مرسى رئيس الجمهورية استقالة الدكتور رشاد المتينى وزير النقل بعد حادث قطار منفلوط الذى أسفر عن وفاة 62 طفلا وإصابة 13 آخرين.
باتت القطارات المصرية حافلة بالمفاجآت, حيث فقدت مصر خلال العشرين عاما الماضية عددا كبيرا من الأرواح في حوادث قطارات وطرق, لم تفقدها خلال سنوات الحرب بيننا وبين إسرائيل, والتي استغرقت 6 سنوات كاملة.
وحادثة قطار البدرشين, التي وقعت فى الساعات الأولى من صباح الثلاثاء, هي الحادثة الرابعة منذ 6 أشهر والثانية لقطار البدرشين في 7 أشهر, حيث خرجت عربتان من قطار البدرشين رقم 990 عن القضبان في 17 يوليو الماضى دون حدوث أية حالة وفاة.
وخلال الأشهر الستة الماضية بلغ عدد حوادث القطارات في مصر 4 حوادث متتالية, ففي أغسطس عام 2012 كان حادث انقلاب قطار بضائع في محطة كفر داود بالمنوفية, وشهد يوم 20 أكتوبر 2012 خروج قطار عن القضبان على خط "شبين ` قليوب" عند قرية رمادة, وهو الحادث الذى أسفر عن مصرع 6 ركاب وإصابة 9 آخرين, وفى 17 نوفمبر 2012 شهدت منطقة منفلوط عبور الأتوبيس الخاص بمعهد أزهرى لمزلقان السكة الحديد بقرية المندرة فاصطدم بالقطار رقم 165 القادم من أسيوط تجاه المنيا.
تكرار تلك الحوادث يعصف بتاريخ السكك الحديدية المصرية التي تعد مصر من أولى الدول في أفريقيا والشرق الأوسط وفى العالم بعد بريطانيا فى التفكير بإنشاء خطوط ضخمة من السكك الحديدية لنقل الركاب, حيث بدأ التفكير فى هذا المشروع قبل حفر قناة السويس بهدف نقل البضائع من السفن الراسية على البحر المتوسط لتنقل على عربات على خطوط حديدية لتنقل على السفن الراسية فى البحر الأحمر بدلا من استخدام الجمال التى كانت تستهلك أوقاتا طويلة فى توصيل تلك البضائع مما يؤدى إلى فساد كثير من المنتجات الزراعية.
تلك الفكرة دفعت الخديوي عباس الأول عام 1851 فى التفكير فى إنشاء خط سكك حديدية يربط بين السويس والإسكندرية, وبدأ مفاوضات مع روبرت ستفنسون لإقامة أول خط حديدى بحيث يبدأ من الأسكندرية إلى القاهرة, وبدأ العمل فى هذا الخط فى عام 1852 وانتهت أولى مراحله عند مدينة كفر الزيات عام 1853, بحيث تبدأ الرحلة من القاهرة حتى مدينة كفر الزيات ثم تستكمل الرحلة بالجمال حتى تصل إلى الإسكندرية وبعد ذلك استكمل الخط حتى وصل إلى الإسكندرية ومن ثم إلى السويس.
ظل العاملون على إعداد خط السكك الحديدية في مصر بنفس الحماسة حتى تم توصيل الخطوط الحديدية حتى مدينة أسيوط في عام 1874 بعد نجاح خط السكك الحديدى بين السويس والقاهرة والإسكندرية, ووصلت خطوط السكك الحديدية إلى مدينة الأقصر فى عام 1898 ومن ثم تكونت شركة خاصة تسمى "قنا أسوان لخطوط السكك الحديدية" لإكمال الخطوط حتى جنوب مصر, وكان الراكب يستقل القطار من القاهرة حتى الأقصر وينزل ليستكمل الرحلة على قطار آخر, وبعد احتلال الإنجليز للسودان مدت الخطوط الحديدية حتى وادي حلفا وتم الانتهاء من هذا المشروع الضخم فى عام 1926.