تغطيات

إجماع على التهدئة في غزة واختلاف في الشروط والأسباب

تزداد المؤشرات إلى قرب التوصل إلى تهدئة في قطاع غزة. وتتكثف الجهود الدبلوماسية للتوصل إلى تهدئة بين التنظيمات الفلسطينية في قطاع غزة وإسرائيل، ووصلت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون إلى المنطقة، وكذلك الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في محاولة للتوصل إلى وقف إطلاق النار، وتجنب عملية برية في غزة، ووضع أسس لتهدئة أو هدنة بين طرفي النزاع.


ويرجح خيار التوصل إلى تهدئة بين إسرائيل والتنظيمات السياسية في قطاع غزة على خيار التصعيد والاجتياح البري لجيش الاحتلال الإسرائيلي. ويبحث الدبلوماسيون العرب والغربيون مع قادة حماس والجهاد الإسلامي من جهة والجانب الإسرائيلي من جهة أخرى السيناريو الأفضل لوقف العمليات العسكرية المتواصلة. ويعيق التشدد الواضح في مواقف جانبي الصراع العلنية التوصل إلى صيغة حل وسط لإنهاء الجولة الحالية من الصراع، ومنع توسيع العمليات إلى اقتحام بري، والحد من تأثيراتها الإقليمية والعالمية.


ومع أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو يظهر تشددا واضحا، ويلوح بعصاه الغليظة لضرب غزة بعملية برية واسعة، فالأرجح أنه بات في أمس الحاجة إلى مخرج لائق يجنبه مخاطر الإنزلاق في مستنقع يمكن أن يحرمه من أصوات كثيرة على أبواب انتخابات الكنيست المقررة في 22 يناير/كانون الثاني 2013. ويبدو أن جهد نتانياهو الحالي ينصب من أجل التوصل إلى صفقة تضمن، على الأقل، تهدئة شاملة لعدة أسابيع حتى انقضاء موعد الانتخابات. ففي مقابل دعم 84 في المئة من الإسرائيليين لعملية "عمود السحاب"، فإن 30 في المئة منهم فقط يؤيد عملية برية للجيش الإسرائيلي في قطاع غزة. ومع الدعم الواضح من الرئيس الأمريكي باراك أوباما لإسرائيل فإنه يؤكد أنه "من المفضل" عدم اجتياح غزة.


ويشير محللون سياسيون إسرائيليون إلى أن العملية الإسرائيلية استنفدت نفسها منذ اليوم الرابع. ومنذ بداية التصعيد الأخير في يوم الأربعاء الماضي تجاوز عدد المواقع الفلسطينية المستهدفة بالضربات الجوية والبحرية أكثر من 1500 هدف، وللمقارنة فإن الجيش الإسرائيلي وجه 650 ضربة فقط في أثناء عملية "الرصاص المصبوب" نهاية 2008 بداية 2009. ويتضح من تصعيد اليومين الأخيرين أن "بنك الأهداف" الإسرائيلي بات يضم مواقع مدنية أدت إلى مقتل عائلة الدلو بأكملها وسقوط عشرة من أفرادها يعودون إلى أربعة أجيال متتالية. ويزداد عدد القتلى والجرحى في صفوف المدنيين وخصوصا الأطفال مما يزيد النقمة الشعبية في بلدان العالم على إسرائيل التي بدا واضحا أنها خسرت الحرب الإعلامية الحالية.


ويبدو أن تلويح نتانياهو المستمر بعملية برية يأتي في إطار محاولاته لفرض شروط أفضل للتهدئة، فالصحافة العبرية كشفت أن ثمانية من كبار الجنرلات في إسرائيل أكدوا بوضوح في اجتماع مع وزير الدفاع إيهود باراك رفضهم لأي عملية برية ضد قطاع غزة.


وبالعودة إلى أهداف العملية الإسرائيلية الأساسية التي طرحها الجيش الإسرائيلي وهي تدمير القوة الصاروخية لكتائب القسام والأجنحة العسكرية الأخرى يتضح أن إسرائيل أخفقت في تحقيق هذا الهدف في ظل استمرار إطلاق الصواريخ، وتوسع دائرة استهدافها لتصل إلى تل أبيب وما بعدها، ولن يتسنى لها تحقيق هذا الهدف إلا في ظل عملية برية مكلفة، ولن تكون حاسمة على الأغلب لأن التقديرات الإسرائيلية الاخيرة تشير إلى أن المقاومة الفلسطينية وخصوصا حماس والجهاد استطاعت ترميم وزيادة ترسانتها الصاروخية عقب عملية "الرصاص المصبوب" لتصل حسب بعض التقارير إلى أكثر من 15 ألف صاروخ. وبعد "الصيد الثمين" باغتيال أحمد الجعبري القائد الفعلي لكتائب القسام فإن وقوع المزيد من الخسائر في صفوف الجنود أو المدنيين يمكن أن يتحول وبالا على مخططي العملية.


إسرائيل تتوسل الهدنة :


ورغم الحالة المتماسكة لقادة إسرائيل فإن مراقبين يؤكدون أنها تتوسل الهدنة، وتعيش حالة من الارتباك لأن الردود الإقليمية في العملية الحالية تخالف تماما ما جرى في العام 2008 في غزة، والعام 2002 أثناء اجتياح الضفة. فالعامل العربي لا يشكل ضاغطا كبيرا على الفلسطينيين بل على العكس يمنهم متنفسا ومجالا للمناورة، وتبدي الحكومات تضامنا بلغ مستوى جديدا مع زيارة وفد من وزراء الخارجية العرب إلى غزة الثلاثاء.


وفي مقابل الشروط الإسرائيلية تطالب حماس بفك الحصار عن غزة، وعدم دخول جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى المنطقة المحاذية للجدار الحدودي، ووقف سياسة الاغتيالات والتوقف عن توجيه ضربات ضد الصيادين الغزيين.

واعتبر رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل أن التهدئة ممكنة لكن حركته التي لن تقبل بالشروط الإسرائيلية وتريد من إسرائيل وقف غاراتها أولا ورفع حصارها عن القطاع.

وقال من القاهرة "إن أرادوا( الإسرائيليون) وقف إطلاق النار فمن بدأ الحرب عليه أن يوقفها"، وأضاف أن نتانياهو طلب التهدئة، وأشار إلى أن نتانياهو يخشى العواقب الداخلية لحرب برية على غرار ما قامت به إسرائيل قبل أربعة أعوام. وتوعد بأن الهجوم البري لن يكون نزهة وأنه قد ينهي مستقبل نتانياهو السياسي ويكلفه الهزيمة في الانتخابات.


والواضح أن فرص نجاح التهدئة بات أكبر بكثير من فرص التصعيد والاجتياح البري لكن الأطراف تسعى إلى "تخريجة" غير محرجة. وأيا كانت الشروط لهذه التهدئة فإن الوقائع تثبت أن زمن الانتصارات الخاطفة للجيش الإسرائيلي أضحت من الزمن المنسي، وأن نتانياهو لن يستطيع التباهي بصورة أحمد الجعبري شهيداً واستغلالها في حملته الانتخابية. وربما يحفز إنتصار قوى المقاومة في غزة أبناء الضفة والقدس على تنظيم صفوفهم والضغط على القيادات الحالية باتجاه استبعاد خيار المفاوضات والبحث عن نموذج كفاحي جديد يجبر الإسرائيليين على التنازل.


وأخيرا فإن نتانياهو قرر البدء بالحرب ويبدو أنه غير قادر على فرض شروطه لإنهاء العملية الحالية التي يمكن أن تتحول كابوسا يقض مضجعه حتى موعد الانتخابات المقبلة، ومما لا شك فيه أنه يبحث عن "صيد ثمين" آخر ينهي به عمليته ضد غزة بعدما ثبت أنها مغامرة غير محسوبة النتائج.
المصدر:روسيا اليوم+وكالات 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى