تمر اليوم الثلاثاء الذكرى الثالثة والأربعون على نكبة المسلمين في إحراق المسجد الأقصى المبارك، أولى القبلتين وثالث الحرمين، ففي مثل هذا اليوم يستذكر المسلمون الجريمة النكراء التي ارتكبت ضد الأقصى المبارك، والنيران التي أضرمتها في جنباته يد التطرف والحقد والكراهية.
ففي الحادي والعشرين من أغسطس لعام 1969، أقدم السائح الاسترالي اليهودي المتطرف مايكل دينيس، متجاوزاً كل ما نزلت به الشرائع السماوية من تجريم إحراق دور العبادة، وكذلك القوانين والمواثيق الدولية، على إحراق مسرى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وقبلة المسلمين الأولى، ليشب الحريق في الجناح الشرقي للأقصى المبارك، وتأتي النيران على كامل محتوياته بما في ذلك منبر "نور الدين محمود زنكي".
وكان هذا المنبر النادر مصنوع من قطع خشبية، معشق بعضها مع بعض دون استعمال مسامير أو براغي أو أية مادة لاصقة، وقد صعنه "نور الدين زنكي"، وحفظه على أمل أن يضعه في المسجد الأقصى إذا حرره، فلما مات قبل تحريره قام "صلاح الدين الأيوبي" بنقله، ووضعه في مكانه الحالي بعد تحرير المسجد من الصليبيين، حيث كان يعتبر هذا المنبر رمزا للفتح والتحرير والنصر على الصليبيين، كما هدد الحريق قبة المسجد الأثرية المصنوعة من الفضة الخالصة اللامعة.
وقد فجرت هذه الجريمة النكراء ثورة غاضبة في أرجاء العالم الإسلامي، ففي اليوم التالي للحريق أدى آلاف المسلمين صلاة الجمعة في الساحة الخارجية للأقصى المبارك، وعمت المظاهرات القدس بعد ذلك احتجاجاً على هذا الحريق المدبر، والذي كان من تداعياته عقد أول مؤتمر قمة إسلامي في الرباط بالمغرب.
وتأتى ذكرى إحراق الأقصى المبارك هذا العام في ظل حرب شرسة تحاك ضد مدينة القدس بشكل عام، والأقصى بشكل خاص، بعد مقترح إسرائيلي خطير بتقسيم الصلاة بين المسلمين واليهود في الأقصى المبارك، وهو المقترح الذي ستكون له تبعات وآثار كارثية على مصير الأقصى.
فقد تقدم رئيس الائتلاف الحكومي وعضو الكنيست الإسرائيلي عن حزب "الليكود" "زئيف ألكين" بمقترح يطلب فيه "فرض تفرد وجود اليهود في الأقصى خلال الأعياد اليهودية"، ومنع المسلمين من دخوله في أيام أعيادهم، على غرار ما يحدث في المسجد الإبراهيمي"، وهو المقترح الذي أسماه "التقسيم الزماني" للأقصى المبارك بين المسلمين واليهود.
وقد دعت "مؤسسة الأقصى"، في بيان لها، العالم الإسلامي والعربي إلى تحرك فوري وعاجل لمنع تنفيذ مثل هذا السيناريو الخطير، وحثت أهل القدس والداخل، ومن يستطيع الوصول إلى الأقصى من أهل الضفة الغربية إلى تكثيف شد الرحال والرباط الدائم في الأقصى.
واعتبرت أن ما يمر به المسجد الأقصى هو لحظات مصيرية، واعتداء محتمل لا يقل خطرا وحجما عن جريمة إحراق الأقصى قبل 43 عاماً، وهي الجريمة التي وقفت وراءها يد التطرف الإسرائيلي، والتي تأتي في سياق مسلسل مستمر من الحملات العدوانية الشرسة على مدينة القدس بصفة عامة، والمسجد الأقصى المبارك بصفة خاصة.
تهجير الفلسطينيين من القدس المحتلة:
من جانبه، جدد الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي البروفيسور أكمل الدين إحسان أوغلي، رفض العالم الإسلامي للانتهاكات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني ومدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك والمقدسات الدينية.
وقال أوغلي إن المخططات اليهودية الرامية الى تقسيم المسجد الأقصى بين المسلمين واليهود مجرد مناورات لتشويش الرأي العام، وأن إسرائيل تعرف أن العالم الإسلامي لن يقبل بذلك.
كما حذرت الجامعة العربية من خطة قاسية للغاية تستهدف تهجير الفلسطينيين من القدس المحتلة، إضافة إلى اعتزام إسرائيل بناء "كنيس" في باحات المسجد الأقصى، وبناء الهيكل المزعوم مكانه.
وقال مساعد الأمين المساعد للجامعة العربية لشؤون فلسطين والأراضي العربية المحتلة السفير محمد صبيح إن الجامعة وزعت معلومات وتقارير كاملة على الدول العربية بشأن مخططات الاحتلال الإسرائيلي، منبها إلى أن الأقصى يتعرض لحصار إسرائيلي شديد، وعدوان متواصل من اقتحامات وحفريات وأنفاق، فضلاً عما يتعرض له المقدسيون من استيلاء على الأراضي، وهدم للمنازل وانتهاكات جمة لتهجيرهم من القدس عنوة`، مؤكدا أن صمود المقدسيين يعتمد على ما تقدمه الأمة من دعم.
ولفت إلى أن نسبة الفقر بين المقدسيين بلغت 80 في المائة، في ظل ضعف المؤسسات الداعمة لهم، معبراً عن استغرابه لعدم تنفيذ قرارات قمة سرت 2010، التي دعت لتقديم دعم مالي للقدس بقيمة 500 مليون دولار لم يدفع منها إلا القليل.
من جانبها، حذرت لجنة مقاومة الجدار والاستيطان في القدس، من اقتحام الأقصى المبارك بعد عيد الفطر السعيد، وتقسيمه زمنيا وجغرافيا بين اليهود والمسلمين بدعم من قيادات اليهود المتطرفين.
وقالت اللجنة، في بيان لها، "إن الهدف من هذا المخطط، هو عزل المناطق الواقعة داخل باب المغاربة، كجامع البراق، والمتحف الإسلامي من أبواب المسجد الأقصى من الجهة الجنوبية وعلى طول ثلاثين دونما من مساحة المسجد".
وأشارت إلى أن مخطط الاحتلال يقضي باقتحام الأقصى بأعداد كبيرة من المستوطنين، وأعضاء الكنيست المتطرفين تحت حماية شرطة وجيش الاحتلال، وإغلاق أبواب المسجد الأقصى، وإغلاق كافة معابر القدس والضفة الغربية لمنع إنقاذ الأقصى.
شد الرحال إلى الأقصى والصلاة فيه :
وطالبت اللجنة، الأوقاف الإسلامية بفتح الأماكن المنوي الاستيلاء عليها فوراً وهي جامع البراق، والمتحف الإسلامي، والساحات الجنوبية أمام المسلمين للتواجد فيها طوال الوقت، مناشدة أهالي القدس، وضواحيها، وأهلنا بأراضي 1948، بشد الرحال إلى الأقصى والصلاة فيه لإجهاض مخططات الاحتلال، داعية حراس المسجد إلى اليقظة والحذر والتصدي لهذه المحاولات.
ويرى محللون أن جريمة إحراق المسجد الأقصى المبارك لا يمكن أن تمر دون أن تكون بمنأى عن السلطات الإسرائيلية التي قامت في توقيت إقدام المتطرق مايكل دينيس على إحراق الجناح الشرقي من الأقصى بقطع المياه عن منطقة الحرم فور ظهور الحريق، وحاولت منع المقدسيين وسيارات الإطفاء التي هرعت من البلديات العربية من الوصول إلى المنطقة والقيام بعملية الإطفاء.
وكانت سلطات الاحتلال قد ادعت في هذا الوقت كذباً أن "ماساً كهربائياً تسبب في الحريق"، إلا أن تقارير المهندسين الفلسطينيين دحضت ذلك الإدعاء والافتراء، وأكدت أنه تم بفعل أيد مجرمة، وهو ما أجبر سلطات الاحتلال على التراجع عن ادعائهم، وتحويل الشبهة إلى شاب أسترالي يدعى مايكل دينيس وليام موهان.
وقد اعتقل الاحتلال ذلك الشاب، وتظاهر بأنه سيقدمه للمحاكمة في عملية احتيال التفافية لامتصاص غضبة الفلسطينيين، وإدانة العرب والمسلمين، والالتفاف على المنظمة الدولية إلا أنها بدلاً من أن تفعل ذلك أطلقت سراحه متذرعة بأنه كان "معتوها"، وتم ترحيله إلى أستراليا، وليس عليه أي أثر للجنون.
وقد أثارت جريمة إحراق الأقصى المبارك ردود فعل عالمية ودولية نددت بهذا الإجرام، وهو ما دعا مجلس الأمن الدولي إلى إصدار قراره رقم (271)، والذي أدان الاحتلال لتدنيسه المسجد، ودعا السلطات الإسرائيلية إلى إلغاء جميع التدابير التي من شأنها المساس بوضعية المدينة المقدسة.
وعبر القرار عن حزن المجلس للضرر الفادح الذي ألحقه الحريق بالمسجد في ظل الاحتلال الإسرائيلي، الذي دعاه إلى التقيد بنصوص اتفاقيات جنيف والقانون الدولي الذي ينظم الاحتلال العسكري، والامتناع عن إعاقة عمل المجلس الإسلامي في المدينة المعني بصيانة وإصلاح وترميم الأماكن المقدسة الإسلامية.
ومنذ وقوع الشطر الشرقي لمدينة القدس في قبضة الاحتلال، وحتى اللحظة الراهنة لم يوقف الاحتلال مجازره الإجرامية بحق المصلين في الأقصى الشريف، في مسعى من لإقامة الهيكل المزعوم فوق أنقاضه.
وقد كانت مجزرة عام 1990 واحدة من المجازر البربرية التي ارتكبها هؤلاء المتطرفون، وأهدروا فيها دم 22 فلسطينياً غدراً، وهم في لحظات التضرع إلى الله عز وجل، فضلا عن أعمال الحفر والتنقيب المستمر حول الأقصى المبارك بذريعة البحث والتنقيب عن آثار هيكل سليمان المزعوم.
وفي أغسطس عام 2005، فشلت مجموعات يهودية متطرفة رافقها حاخامات ونواب في الكنيست الإسرائيلي في اقتحام المسجد بشكل جماعي عبر "باب الأسباط"، بعد أن تصدى لها حراسه والمرابطون بداخله ومن وحوله، لتكرر هذه المحاولات مرة تلو الأخرى في محاولة لاقتحام الأقصى الشريف، خاصة في الأعوام الخمسة الماضية وبشكل مكثف.