تغطيات

مجلس التعاون...من الاقتصاد الريعي إلى اقتصاد المعرفة

تسعى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية إلى إرساء ركائز الاقتصاد المعرفي والصناعة المعرفية تمهيدا للتحول من الاقتصاد الريعي واتباع مسار التنويع الاقتصادي، الأمر الذي انعكس في تزايد اهتمام حكومات تلك الدول خلال السنوات الأخيرة بتنويع اقتصاداتها من أجل تحقيق التنمية المستدامة.
وفي هذا السياق، أكدت الأمانة العامة لمجلس التعاون في يونيو الجاري، اهتمام دول المجلس بدعم مشاريع البحث العلمي والتكنولوجي وتحفيز الإبداع والابتكار، وذلك من أجل النهوض بمفهوم الاقتصاد المعرفي القائم على المعرفة والبحث العلمي، واستثمار حقوق الملكية الفكرية بما فيها براءات الاختراع في أغراض التنمية المستدامة.
وقد أظهرت دراسة "الخارطة الصناعية لدول مجلس التعاون" التي صدرت مؤخرا عن منظمة الخليج للاستشارات الصناعية "جويك" توجه عدة دول خليجية لدعم الصناعات المعرفية لتحقيق هذا الهدف وأشادت بالمكانة التي وصلت لها كل من دولة قطر والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة في هذا الإطار.
وتوقعت الخارطة الصناعية التي قسمت دول مجلس التعاون من هذا المنظور إلى مجموعتين، أن تكون قطر إلى جانب كل من السعودية والإمارات ذات جاهزية جيدة للانتقال للاقتصاد المعرفي والصناعات المعرفية بحلول العام 2020 خصوصاً إذا ما عملت على معالجة نقاط الضعف لديها.
لكن تلك الخارطة كشفت عن العديد من الصناعات المستقبلية الواعدة وخصوصاً المعرفية منها وما أسمته "الصناعات الغائبة" التي تتوفر لها مدخلات إنتاج ولم يتم إنتاجها بعد في دول المجلس رغم الطلب المتزايد عليها.
وفي محور بهذا العنوان (الصناعات الغائبة) رأت الخارطة أن هناك مزايا أساسية لقيام هذه الصناعة في ظل غنى دول المجلس بالمواد الهيدروكربونية التي تعتبر المقومات الرئيسية لدفع عجلة الانتاج الصناعي حيث تمتلك دول المجلس ما يقارب 40 بالمائة من الاحتياطي العالمي للبترول وقرابة 23 بالمائة من الاحتياطي العالمي للغاز.

 


غياب المواد المحفزة في الصناعات الكيماوية مرتبط بتطور البحوث العلمية:
 

 

ولعل أبرز الصناعات الغائبة التي رصدتها الخارطة هي الصناعات الكيماوية، حيث تشير الدراسة إلى نقص في إنتاج المواد المحفزة في هذه الصناعة. وقدرت حجم استيراد هذه المواد بحوالي مليار دولار سنويا وفقا لآخر الاحصاءات، معتبرة ان غياب المواد المحفزة مرتبط بتطور البحوث العلمية حيث يندرج انتاج هذه المواد في قطاع الصناعة المعرفية.
وذكرت الخارطة العديد من الأمثلة في هذا القطاع منها المادة الأساسية لإنتاج النايلون "الاكرينولايات" حيث تشير آخر الإحصاءات إلى أن استيراد هذه المادة وصل حوالي 20 الف طن في العام 2009 وانه من المتوقع ان تصل الى 50 الف طن خلال السنوات الخمس القادمة بقيمة تتجاوز المليار دولار، معيدة غياب الصناعة الخليجية لهذه المادة إلى صعوبة الحصول على تقنيات إنتاجها.
وبحسب الخارطة، فإن إنتاج كيماويات الألمنيوم وكيماويات معالجة المياه هي أيضا من بين أبرز الصناعات الغائبة خليجيا حيث تقدر قيمة استيراد الخليج من كيماويات المياه سنويا بما يفوق 100 مليون دولار، إضافة إلى غياب كيماويات مواد البناء التي تدخل في إنتاج مواد البناء كالمواد اللاصقة والعازلة للسقوف والأرضيات.
قطاع آخر احتل مكانة في قائمة الصناعات الغائبة وهو قطاع الصناعات الغذائية، حيث تستورد دول مجلس التعاون ما يقارب 90 بالمائة من حاجاتها في ظل مؤشرات تزايد الطلب في هذا القطاع في العام 2020 كنتاج طبيعي للتطور الاقتصادي والنمو المطرد في حجم السكان.
وأشارت دراسة "جويك" إلى أن الفجوة بين احتياج الاسواق الخليجية للمواد الغذائية وما تنتجه من مواد غذائية، لا ترجع فقط لكون معظم دول المجلس دولا غير زراعية بل لعدم القيام ببحوث تطبيقية في مجال الصناعات الغذائية بشكل يمكنها من تطوير هذا القطاع.
كما صنفت الدراسة "الصناعات المعدنية الأساسية" ضمن الصناعات الغائبة حيث تشير آخر الإحصاءات إلى أن حجم استيراد منتجات الحديد تجاوز 10 ملايين طن سنويا اضافة الى نقص في العديد من منتجات الالمنيوم (الصفائح المسحوبة) التي تستخدم في إنتاج علب ورقائق وأنابيب ومسحوقات الألمنيوم، الى جانب نقص في إنتاج العديد من المعادن الفلزية غير الحديدية كالزنك والنحاس والرصاص والنيكل والماغنسيوم.
ومن الصناعات الغائبة كذلك صناعة المعدات والآلات الضخمة التي تشمل إنتاج الماكينات ووحدات التبريد الهوائي وأجهزة التبريد إضافة الى المعدات المكتبية وهو ما يتطلب تطوير هذا القطاع في ظل توجه دول المجلس نحو الصناعات المعرفية عالية التقنية.
 

 

ضرورة توجيه القطاع الخاص نحو القيام ببحوث وتطوير:
 

 

وحثت الدراسة دول المجلس على بناء شراكات استراتيجية فاعلة في مجال البحث العلمي، مؤكدة ضرورة توجيه القطاع الخاص نحو القيام ببحوث وتطوير بالنظر لأهمية نتائج البحوث العلمية في سياق تطوير المنتجات وعمليات الانتاج بما ينعكس ايجابا على زيادة القيمة المضافة.
كما أكدت ضرورة زيادة الإنفاق على البحث والتطوير من خلال تخصيص نسبة مئوية من الناتج المحلي وهو ما يستدعي اعتماد هذا الاتجاه في استراتيجيات التنمية لكل دولة، مشددة في الوقت نفسه على ضرورة وضع استراتيجية موحدة وشاملة للبحث والتطوير العلمي لدول المجلس.
كما رأت أن من الأهمية بمكان تحقيق شراكات فاعلة بين مراكز البحث والتطوير والمؤسسات الصناعية بما يساهم في خدمة التنمية الصناعية ويسرّع جاهزية الدول للانتقال للصناعات المعرفية، مبينة أن المملكة العربية السعودية تعتبر الأولى خليجيا في هذا المجال.
وشددت الدراسة على قدرة دول المجلس على تطوير برامج البحث العلمي من اجل الانتقال للاقتصاد المعرفي نظرا لقدراتها المالية التي تمكنها من تمويل العديد من مراكز البحث والتطوير على نحو عام والبرامج في مجال البحوث الصناعية على نحو خاص.
ومن المؤكد أن المعوقات التي رصدتها الدراسة لتقدم البحث العلمي والتطوير كضعف دور القطاع الخاص في تمويل البحث العلمي والتطوير، إضافة إلى غياب استراتيجية خليجية للبحث والتطوير، وضعف وعي المؤسسات الصناعية بأهمية البحث العلمي في تطوير أعمالها أو منتجاتها، هو في صميم الأسباب التي تحول دون تبوؤ دول المجلس الصدارة على هذا الصعيد.
كما يمكن القول إن عدم وجود دليل لتصنيف مراكز البحوث وفقاً لمجال البحث لمساعدة تلك المؤسسات الصناعية على استخدام تلك الخدمات عند الحاجة، وضعف ثقافة البحث العلمي في المجتمع، هي أيضا سمات مشتركة.
وعن أبرز الحلول التي يمكن أن تنتهجها دول مجلس التعاون، أوضح السيد عبد العزيز بن حمد العقيل الأمين العام لمنظمة الخليج للاستشارات الصناعية، في تصريح خاص لوكالة الأنباء القطرية (قنا)، ضرورة إقدام صناديق التنمية وبنوك التنمية بدول المجلس على تمويل الصناعات المعرفية والعمل على توفير البنية الأساسية للمرافق والوحدات الصناعية التخصصية، خاصة فيما يتعلق بتوفير الخدمات الأساسية لهذا القطاع.
وأوضح أن حكومات دول مجلس التعاون أخذت على عاتقها في بداية الأمر القيام بهذا النوع من الصناعات، مشيرا إلى أن هناك مبادرات عديدة في الوقت الحالي من قبل رجال الاعمال والقطاع الخاص للدخول في هذا القطاع.
لكن الدراسة رأت أنه على الرغم من تزايد الاهتمام الحكومي بالبحث العلمي في دول المجلس لا تزال متأخرة نسبياً مقارنة ببعض دول العالم التي شهدت ازدهارا اقتصاديا وتحولا صناعيا، وذكرت أن مساهمة الاقتصاد المعرفي في دول مجلس التعاون لا تتجاوز 0.2 في المائة مقارنة بـ 4 إلى 4.5 بالمائة في الدول المتقدمة.
ودعت دول المجلس إلى بذل المزيد من الاهتمام بالصناعات المعرفية، وتأهيل الشباب الخليجي لولوج معترك الاقتصاد المعرفي الذي يتطلب توافر مقومات أساسية يجب على دول المجلس توفيرها وتقديم المزيد من الدعم لمراكز الأبحاث والجامعات والمعاهد المتخصصة التي يمكن أن تسهم في إحداث نقلة نوعية في الصناعات الخليجية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى