تغطيات

الصومال...حجم الكارثة وكيفية مواجهتها

يعيش الصومال كارثة إنسانية مروعة.. البعض ينظر إليها على أنها مجرد أزمة مجاعة وغذاء وموجة جفاف والبعض الآخر يرى أنها إشكالية بناء دولة.. وهناك من يعتقد بأن هذه الكارثة تتعلق بعدم الاندماج والانسجام بين الفصائل المختلفة؛ والنتيجة كما ورد فى تقرير منظمة الأمم المتحدة للطفولة هى أعلى معدل وفيات للأطفال دون سن الخامسة؛ هذا بالإضافة الى الانهيار السياسي للدولة والتخلف الاقتصادي وفشل عمليات التنمية، ناهيك عن الصراعات المزمنة بين الفصائل المختلفة والأمراض المنتشرة في كافة أرجاء الدولة حتى أصبح الصومال دولة فاشلة منهارة مما يزيد الأمر سوءًا.
ولكن على ما يبدو أنه من المتفق عليه أن الأزمة الإنسانية التي يشهدها الصومال ما هي إلا نتاج لوضع مهمل متفاقم الأزمات والتي لم تجد لها سبيلا سوى الانفجار بكارثة مروعة لم تشهدها الإنسانية من قبل وضحاياها هم أطفال لا ذنب لهم ودولة منهارة مفككة تبحث عن مخرج طارئ لتجاوز أزمتها.
ويرى الدكتور محمود أبو العينين أستاذ العلوم السياسية عميد معهد البحوث والدراسات الإفريقية بجامعة القاهرة أن الأزمة الحالية للصومال هي نتاج للعديد من الأسباب المختلفة المتداخلة بدءًا من حالة عدم الاستقرار السياسي في الصومال والذي اتضح من خلال التغييرات المتتابعة لرئاسة الدولة؛ وكذلك حالة الانقسام التي يشهدها ذلك البلد ما بين رئيس الدولة ورئيس الحكومة حتى بعد دخول الصومال مرحلة جديدة بعد انتهاء المرحلة الانتقالية التي حددتها قوى المجتمع الدولي في 2011 وانتخاب شيخ شريف شيخ أحمد رئيسًا لدولة الصومال.. مرورًا بحالة الانفلات الأمني والفوضى الأمنية في داخل الصومال خاصة بعد إعلان حركة الشباب المجاهدين الصومالية انضمامها الى تنظيم القاعدة ومسؤلياتها عن بعض العمليات الإرهابية خاصة في أوغندا وصولا الى استحداث عمليات القرصنة الصومالية خاصة أن الصومال بلد مطل على خليج عدن والبحر الأحمر.
وأكد أبوالعينين أن هذه الأزمة الإنسانية هناك والتي تعد بمثابة كارثة كبرى تأتى كنتاج لتلك الأسباب المختلفة ولكنه أشار الى أن جذورها كانت موجودة منذ فترة زمنية طويلة ولكنها ازدادت خاصة بعد موجة الجفاف التي شهدتها منطقة شرق إفريقيا من شهور قليلة من ناحية وتمخض عنها أسوأ أزمة غذائية في العالم قدّرتها الأمم المتحدة بنحو ما يقرب من 10 ملايين من المتضررين من هذه الأزمة وقدّرها الاتحاد الإفريقي بأن هناك ما يقرب من ثُلث الصوماليين بحاجة الى معونة عاجلة ومساعدات فورية.
من ناحية أخرى ازدادت شدة الأزمة الصومالية خاصة بعد استمرار حالة الثورات العربية - أو ما بات يعرف بـ "الربيع العربي"- في مناطق شمال إفريقيا بما جعل الأزمة الصومالية في مفترق طرق تبحث عن يد مساعدة لتأخذ بها..
وعن كيفية الخروج من هذه الأزمة أكد د. محمود أن الصوماليين لم ولن يتفقوا إذا تركوا وشأنهم ولكنهم بحاجة الى دور إقليمي ودولي فوري وعاجل من خلال خطة عاجلة لمعالجة الأزمة في الصومال ووضعها على الطريق الصحيح للخروج من أزمتها الراهنة.
واعتبر الدكتور أحمد عبدالدايم أستاذ مساعد بقسم التاريخ بالمعهد أن الأزمة في الصومال هي من فعل قوى إقليمية ودولية مستفيدة من إبقاء الوضع الراهن والذي تعود جذوره الى ما يقرب من عشرين عاما، ومع مطلع الألفية شهد الصومال حالة من حالات السطو الإسلامي والتي تعد بمثابة القوى السياسية التي تبسط نفوذها على المجتمع.
وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر استغلت القوى الإقليمية بقيادة إثيوبيا وكينيا والدولية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية الوضع لضرب هذه التنظيمات السياسية بحجة مقاومة الإرهاب على الرغم من أنها كان بمقدورها تجاوز الأزمة الصومالية بما تقدمه من معونات ومساعدات، ومنذ ذلك الحين عاد الصومال الى نقطة البداية.. إلا أنه أشار الى أن الصومال ساهم في تكريس وضعه الحالي خاصة مع استمرار الصراعات السياسية وتواصل الحروب المنتشرة بين الفصائل المختلفة، بالإضافة الى عدم وصول المساعدات الغذائية الى مستحقيها بسبب قطع الطريق وإعاقة دخولها الى من يحتاجها، كما أن الصومال دولة بلا تنمية وبناءً عليه فلا تستطع الخروج من أزمتها دون جهد ذاتي داخلي لم ولن يتحقق إلا بتحقيق الستقرار أولا.
وعن كيفية الخروج من هذه الأزمة انطلاقًا من الإيمان بأنه لا حلول سياسية خارجية تفرض نفسها.. فالصومال يحتاج الى الاعتراف بضرورة عودة الدولة كهدف أسمى لعمليات الإصلاح؛ هذا الى جانب العودة الى ما تم الاتفاق عليه مسبقا بين القوى المختلفة وهذا الاتفاق ينتهي بالتسليم بأن الصومال هو دولة إسلامية، والتوصل الى صيغة توافقية بين الفصائل المختلفة، وإضفاء الشرعية على النظام الحاكم بصرف النظرعمن يحكم.
أما الدكتور أيمن شبانة مدرس العلوم السياسية بقسم السياسية والاقتصاد بالمعهد فتحدث بأن الصومال يعيش أوضاعًا إنسانية واجتماعية بالغة الصعوبة منذ عام 1991 والتي تزايدت مع تعاظم الأزمة الغذائية العالمية، كما أن هناك بعض الإقليم حاليا تمر بواحدة من أعنف موجات الجفاف التى لحقت بها منذ ما يقرب من ستين عاما؛ حيث يتربص الجوع بأكثر من 11 مليون مواطن فى الإقليم الواحد فى كل من: الصومال وإثيوبيا وأوغندا وجنوب السودان.. ولكنْ الصوماليون كانوا أكثر المتضررين من هذه المجاعة؛ حيث يكابد زهاء 3,5 ملايين صومالى الجوع ومعظمهم من النساء والأطفال، بما يعني أن هناك ما يقرب من 3.5 ملايين صومالي في مجاعة شبه تامة، وأكثر من نصف السكان لا يزالون يعيشون على المساعدات الخارجية، بالإضافة الى أن هناك ما يقرب من عُشر الأطفال مهددون بالموت..!
وعن الدور المصري تجاه الأزمة الصومالية تحدث د.أيمن بأن مصر كانت ولا تزال تحرص على استقرار الأوضاع في الصومال وتعمل على ووجود حكومة مركزية تعيد الاستقرار المفقود للبلاد منذ عام 1991؛ لذا حرَصت مصر على المشاركة في جهود المصالحة الوطنية إما من خلال التأييد الدبلوماسي أو المشاركة فى دعم السلم فى الصومال..
ولكن مصر بعد الثورة منشغلة بالأحداث الداخلية لإعادة ترتيب الداخل والجهود المبذولة حاليا هي حصيلة جهود المنظمات غير الحكومية؛ وهذه الجهود ما هي إلا جهود للتصدي للأعراض في محاولات إطعام الصوماليين دون التصدي الى الأسباب التي أدت الى هذه الأزمة.. بمعنى أن هذه الجهود هي جهود تالية للأزمة على الرغم من أنه كما سبق الإشارة وفقاً لنظام الإنذار المبكر الأزمة الصومالية هي أزمة متوقعة.
وعن كيفية الخروج من هذه الأزمة فعلى الصومال الانشغال بتوحيد صفوفه في الداخل وعلى الدول العربية الإسلامية تقديم "مبادرة عربية إسلامية كبرى" تقودها مصر وتمولها الدول النفطية وتدعمها تركيا خاصة أنه لا يجب أن نغفل أن الصومال هو دولة إفريقية إسلامية سنية؛ كذلك لا بد من أن تتحرك المنظمات الدولية كالجامعة العربية والاتحاد الإفريقي ومنظمة المؤتمر الإسلامي للوقوف على أسباب هذه الأزمة ومحاولة علاجها جِذريًا حتى لا تتفاقم أكثر مما وصلت اليه خاصة أنها كارثة إنسانية لا يستهان بها.
أما إيمان عبدالعظيم معيدة بقسم السياسة والاقتصاد فترى أن أزمة الصومال ودرجة تردي الأوضاع هناك هي نتيجة تراكمات ورواسب لإشكالية سياسية خاصة في ظل أزمة الانقسام الداخلي نتيجة الخلافات بين الفصائل المختلفة والتي نتج عنها تورط الصومال في حروب أهلية هو في غنىً عنها، كما أن المساعدات الممنوحة للصومال والمقدمة من دول مختلفة بسبب هذه الحروب الأهلية لم تصل الى من يحتاجها؛ لأنها تحولت الى مجرد سلاح في يد كل فصيل يستخدمه في خلافاته مع الفصائل الأخرى..
وبالتالي فالأزمة في الأساس هي أزمة سياسية والبيئة قد يكون لها دور في هذه الأزمة خاصة أن الصومال تجتاحه موجات جفاف بين الحين والآخر والتي جعلت منه دولة رعوية لا تعتمد على النشاط الزراعي ولكنها غنية بقطعان الماشية عالية الجودة رخيصة الثمن قد تعتمد على هذا النشاط لتنشيط حركة التجارة بينها وبين الدول الأخرى خاصة أنها دولة منفتحة على خليج عدن وعلى البحر الأحمر وليست حبيسة وفي مقدورها إنعاش حركة التبادل التِجاري ولكن الأزمة السياسية الداخلية تعوق هذا..
والمحصلة النهائية هي تردي الأوضاع والذي تتسبب فيه الفصائل المختلفة التي تتصارع على المناصب العليا بالدولة دون الانشغال ببناء هذه الدولة.. ولم ولن يستطع الصومال تجاوز أزمته المتفاقمة دون الالتفات بداية للداخل وإعادة توحيد الصومال للتصدي لإشكالية الاندماج القومي بداية والخروج الى بناء الدولة الصومالية لإعادة إعمار الصومال.
 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى