ضجت قاعة عبدالله السالم في مجلس الأمة يوم التاسع والعشرين من يناير 2006 بالتصفيق الحار لصاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد عند دخوله القاعة التي شهدت جلسة خاصة أدى خلالها سموه اليمين الدستورية وفقا لنص المادة 60 من الدستور الصادر في 11 نوفمبر 1962 وقد رد سموه التحية بالتلويح بيده لهم.
وبعد أداء القسم ألقى سموه أول كلمة له وعد فيها الشعب بتحمل الأمانة وتولي المسؤولية، مؤكدا سمــوه العمل من اجل الكويت وشعبها داعيا الجميع إلى العمل من اجل جعل الكويت دولة عصرية حديثة مزودة بالعلم والمعرفة يسودها التعاون والإخاء والمحبة ويتمتع سكانها بالمساواة في الحقوق والواجبات.
وشدد سموه على ضرورة المحافظة على الديموقراطية وحرية الرأي والتعبير، مؤكدا سموه ان القائد لا يمكنه ان ينجح إلا بتعاون شعبه معه تعاونا حقيقيا، داعيا سموه المواطنين الى ان يجعلوا مصلحة الوطن قبل مصلحتهم ويتجاهلوا منافعهم الذاتية في سبيل منفعة الجميع وان يحترموا القانون والنظام ويحرصوا على مصلحة الوطن وممتلكاته وانجازاته.
ويعد صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الاحمد منذ أكثر من 57 عاما واحدا من ابرز الشخصيات الكويتية حيث تربع على قمة الديبلوماسية الكويتية منذ نهاية شهر يناير عام 1963.
وتشهد سجلات الجمعية العامة للأمم المتحدة بأن كلمة الكويت التي تنطق بسياستها ومواقفها إزاء القضايا الإقليمية والدولية كانت في معظم الأحوال من نصيب سموه. ويبرز سموه من بين الرجال الذين ساهموا في صنع تاريخ وطنهم فهو بلا جدال رجل السياسة الخارجية الكويتية وعميد الديبلوماسيين على مستوى العالم للمدة الطويلة التي قضاها سموه وزيرا للخارجية وللخبرة المتميزة التي عرف بها بين أقرانه من الديبلوماسيين.
وكان سموه قد بدأ حياته السياسية الأولى وتمرسه في العمل العام في التاسع عشر من يوليو عام 1954 عندما أصدر الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم أمرا أميريا بتعيينه عضوا في اللجنة التنفيذية العليا التي عهد إليها مهمة تنظيم مصالح ودوائر الحكومة الرئيسية ووضع خطط عملها ومتابعة تنفيذ تلك الخطط وفي فبراير عام 1959 تم تعيين سمو الشيخ صباح الأحمد رئيسا لدائرتي المطبوعات والشؤون الاجتماعية.
وحين قرر الشيخ عبدالله السالم، رحمه الله، وضع الدستور أصبح صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد عضوا في المجلس التأسيسي الذي عهد اليه مهمة وضع الدستور في بدايات عام 1962.
وعلى اثر تحول الدوائر الحكومية الى وزارات مسؤولة بموجب الدستور تولى صاحب السمو الأمير صباح الأحمد العديد من الحقائب الوزارية كانت أولاها حقيبة وزارة الإرشاد والانباء في عام 1962 ثم حقيبة وزارة الخارجية في عام 1963. وبحكم صفته الوزارية أصبح سموه عضوا في مجلس الأمة منذ تأسيس ذلك المجلس في عام 1963 حيث قدر له من خلال تلك السنوات الطويلة ان يعاصر تطور الحياة النيابية في الكويت وما تخللها من أزمات دستورية في بعض الأحيان.
وقبل ان يتولى صاحب السمو الأمير هذه المناصب الحكومية على اختلافها كان قد بدأ العمل في بعض الأنشطة الاجتماعية التي استطاع من خلالها اكتساب خبرات كانت مفيدة له عندما انتقل الى العمل الحكومي وكان من ابرز تلك الأنشطة رعايته لنادي المعلمين ومشاركته أعضاء النادي في ندواتهم التي كانوا يقيمونها بين الفترة والأخرى وترأس سموه في شهر فبراير عام 1952 ندوة بعنوان «شؤون التعليم في الكويت» اقيمت في مقر النادي.
ومن الأمور التي أعانت سموه على اكتساب الخبرة في المسائل السياسية رحلاته المتعددة ومنها ما كان بصحبة والده المغفور له بإذن الله الشيخ احمد الجابر الحاكم العاشر للكويت عندما طاف بعدد من الدول واكتسب من ذلك دراية بالدول ومعرفة بالمسؤولين وعدد من الشخصيات البارزة من أفراد شعوب تلك الدول كما اكتسب من والده مباشرة ما كان ذخيرة له في مستقبل حياته من سلوك الحكام وتقديرهم لكل الأمور.
وعاصر صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد سمو أمير البلاد الراحل الشيخ جابر الأحمد وسمو الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله، رحمهما الله، في جميع مراحل توليهما للمسؤولية في البلاد وكان سموه قد مثل سمو أمير البلاد الراحل في الكثير من المؤتمرات والاجتماعات المحلية والإقليمية والدولية.
واستطاع سموه خلال هذه الفترة إبراز دور الكويت في المحافل الدولية وفي كل المجالات سواء الإقليمية والعربية أو الإسلامية والعالمية وكان سموه ومازال حريصا على مصلحة الكويت وإعلاء كلمتها في هذه المحافل وكان بحق الحافظ للأمانة والقادر على إدارة شؤون الحكم في البلاد.
كما مكنت الخبرة الكبيرة والمتعددة لصاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد من ان يكون مرجعية عربية وعالمية يركن اليها ويوثق بحاستها وحساسيتها السياسية فكان موضع استشارة ووسيطا لحل ومعالجة الكثير من المشكلات التي واجهت وتواجه اقطارا عربية وغير عربية والتي كلل معظمها بالتوفيق والنجاح بعد حلحلة الموقف المأزوم وإتاحة الفرصة أمام التفاوض المباشر بعيدا عن التوتر والتشنج لطرفي أو أطراف النزاع.
وكان صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد تولى منصب نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية في الوزارة العاشرة في 16 فبراير عام 1978 حتى الوزارة الرابعة عشرة في 20 يونيو عام 1990 ثم أصبح النائب الاول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية في الوزارة السادسة عشرة في 17 أكتوبر عام 1992 حتى الوزارة العشرين في 14 فبراير عام 2001.
وفي 13 يوليو عام 2003 اصدر سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الاحمد امرأ اميريا بتعيين سمو الشيخ صباح الأحمد رئيسا لمجلس الوزراء وكلفه بترشيح أعضاء الوزارة الجديدة التي أعلن عن تشكيلها في اليوم التالي.
كما عمل سموه وزيرا للإرشاد والأنباء في أول تشكيل وزاري في تاريخ الكويت في 17 يناير عام 1962 ثم وزيرا للمالية والنفط بالوكالة إضافة الى حقيبة وزارة الخارجية في 4 ديسمبر عام 1965 ثم وزيرا للإعلام بالوكالة في 2 فبراير عام 1971 ثم وزيرا للداخلية بالوكالة في 16 فبراير عام 1978 ثم وزيرا للإعلام بالوكالة في 4 مارس عام 1981.
ويؤكد صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد وهو الابن الرابع للأمير الراحل الشيخ احمد الجابر في مناسبات عديدة انه تعود منذ صغره ان يقرأ كل ما يقع تحت يديه فهو يقرأ تقارير العمل والرسائل الموجهة وحتى المقالات الصحافية واكتسب هذه العادة مع الأيام وعرف مدى أهميتها لان بعض الكلمات قد تحمل اكثر من معنى فمن الواجب الالمام بها حتى يكون القرار المتخذ سليما وعادلا.
واستطاع سموه وعلى أعلى مستوى ان يقوم بمهام رئيس مجلس الوزراء بالنيابة خلال فترة غياب سمو الامير الوالد الشيخ سعد العبدالله رحمه الله في الخارج أثناء محنة المرض.
وكان صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد يدرك منذ تسلمه مهام رئاسة الوزارة بالنيابة انه يكمل مسيرة سمو الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله وهي مسيرة الكويت فكان سموه في مواجهته للاحداث سواء المحلية أو العربية او العالمية يستلهم نفس الروح الكويتية التي تبتعد عن النظرة الضيقة وتغلب روح الأسرة الواحدة.
ويتصف صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد بالصراحة وأحاديثه التي لها وقع مؤثر في كل من يسمعه فهو دائما يتحدث من القلب الى القلب كما يتصف سموه بالبسمة المتفائلة الواثقة في خضم كل الأزمات كما يمتلك حضورا سياسيا فاعلا في المحافل الدولية ورصيدا سياسيا كبيرا محليا وخليجيا وعربيا ودوليا.
وخلال تربع سموه على قمة الديبلوماسية الكويتية استطاع ان ينسق السياسة الخارجية للدولة ويدرس الشؤون المتعلقة بها ويسهر على علاقات الكويت مع الدول الأخرى والمنظمات الدولية ورعاية مصالح الكويتيين وحمايتهم في الخارج وهذه الأمور هي من صلب أعمال وزارة الخارجية.
وفي هذا الشأن كان لصاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد بصمات واضحة حيث قام بجولات مكوكية لمختلف دول العالم مرسخا بذلك علاقة الكويت مع هذه الدول في جميع المجالات.