منذ 50 عاما والشعب الكويتي يحتفل بالعيد الوطني ويستذكر الاحداث والوقائع في مسيرة استقلال البلاد والانجازات التي تحققت عبر هذه السنين.كما يستذكر الكويتيون ما بذلوه من أجل المضي بمسيرتهم قدما من منطلق حاضر زاهر الى مستقبل مشرق بمعاني ومكاسب التحرر والاستقلال والكفاح في كافة المجالات .
والنضال في سبيل حرية واستقلال الكويت لا يقف عند ضمان ذلك الهدف بل يتواصل ويتحول الى بذل وكفاح مستديم وجاد ليتمتع المواطن بنعم الحرية والاستقلال ويحقق ذاته من خلال رسالته الوطنية نحو مجتمعه والتراب الذي نشأ منه ودرج عليه وعاش بافضاله.

مرحلة الشرعية الدستورية
واستطاع الكويتيون قطف ثمار الجهد الدؤوب الذي مارسته طلائع الخير من رجال الكويت احقابا متواصلة حتى استكملت الكويت استقلالها الناجز في عهد الشيخ عبدالله السالم الصباح رحمه الله وانطلقت في مسيرتها المباركة تحقيقا لاهداف الشعب ووفاء لمصالحه وخدمة الامة العربية واداء للواجب القومي والدولي والانساني على احسن الوجوه.
وبدأت الكويت في بدايات عام 1962 بتدعيم نظامها السياسي بانشاء مجلس تأسيسي يقوم باعداد دستور يبين نظام الحكم على أساس المبادئ الديموقراطية المستوحاة من واقع الكويت وأهدافها وكان من ابرز ما انجزه المجلس مشروع الدستور
الذي صادق عليه سمو الشيخ عبدالله السالم الصباح في نوفمبر 1962 لتدخل البلاد مرحلة الشرعية الدستورية حيث جرت أول انتخابات تشريعية في الـ 23 من يناير 1963.
وتوضح المادة السادسة من الدستور ان نظام الحكم في الكويت ديموقراطي، السيادة فيه للامة مصدر السلطات جميعا وتكون ممارسة السيادة على الوجه المبين في الدستور.
كما يقوم نظام الحكم في الكويت على اساس فصل السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية مع تعاونها ولا يجوز لاي سلطة منها النزول عن كل او بعض اختصاصها المنصوص عليه في الدستور.
ويسود الكويت النظام القضائي المدني الراسخ المتفتح والمؤهل لحل جميع النزاعات مما اكسبها احتراما دوليا واتاح لها علاقات سياسية واقتصادية راسخة ومتينة مع مختلف دول العالم
ومنذ استقلال الكويت في 19 يونيو عام 1961 وهى تسعى الى انتهاج سياسة خارجية معتدلة ومتوازنة آخذة بالانفتاح والتواصل طريقا وبالايمان بالصداقة والسلام مبدءا وبالتنمية البشرية والرخاء الاقتصادي لشعبها هدفا في اطار من التعاون مع المنظمات الاقليمية والدولية ودعم جهودها وتطلعاتها نحو أمن واستقرار العالم ورفاه ورقي الشعوب كافة .
السياسة الخارجية
وسياسة الكويت الخارجية تم تحديدها بعدة مجالات منها دعم جهود المجتمع الدولي نحو اقرار السلم والامن الدوليين والالتزام بالشرعية الدولية والتعاون الاقليمي والدولي من خلال هيئة الامم المتحدة ومنظماتها التابعة ومجلس التعاون لدول الخليج العربية وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي ومنظمة دول عدم الانحياز.
كما تسعى دولة الكويت للمساهمة والتعاون مع المجتمع الدولي والمنظمات الدولية في الانماء الاقتصادي والتنمية البشرية.
وحددت الكويت تحركها هذا ضمن ثلاث دوائر هي منطقة مجلس التعاون الخليجي حيث العمل وبالتعاون مع دول مجلس التعاون الشقيقة من اجل ترسيخ الامن والاستقرار في منطقة الخليج وتعزيز التكامل الاقتصادي وصولا الى الوحدة الخليجية المنشودة والتي بدأت بالسوق الخليجية المشتركة.
ثم تأتي دائرة الشرق الاوسط حيث المساهمة الفاعلة مع الدول العربية الشقيقة والمجتمع الدولي من اجل حل الصراع العربي الاسرائيلي بما يضمن قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة طبقا لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة والمبادرة العربية للسلام والعمل الحثيث والمتواصل على اخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل.
ودوليا تسعى الكويت الى دعم جهود المجتمع الدولي والمنظمات الدولية والمتخصصة من اجل تحقيق الهدف الاسمى للبشرية في العيش بأمان واستقرار.
وتعمل دولة الكويت من خلال الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية باعتباره الذراع الاقتصادية للسياسة الخارجية على دعم جهود المجتمع الدولي نحو استقرار الدول في طور النمو من خلال برامج تنموية تسهم في تحقيق تقدمها ورخائها.
وخلال الفترة من عام 1970 الى عام 2005 قدمت الكويت 415 مليون دولار مساعدات انمائية للدول العربية وبنسبة 25 في المئة من قيمة هذه المساعدات الاجمالية التي قدمتها الدول العربية الاخرى.
اما عدد قروض الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية منذ تأسيسه عام 1961 وحتى اليوم فوصل الى 731 قرضا بلغ مجموع قيمتها اكثر من 3734 مليون دينار كويتي استفاد منها العديد من الدول العربية والآسيوية والأفريقية والأميركية اللاتينية.
الأسواق الكويتية واحة للتجارة الحرة
ولعبت دولة الكويت دورا بارزا في تأسيس مجلس التعاون الخليجي في 25 مايو 1981 كما دعمت وعززت اعمال المجلس من خلال المشاركة الفعالة والايجابية في مختلف أعماله.
ونظرا لانضمام الكويت لنحو أكثر من 50 منظمة دولية من أبرزها منظمة التجارة العالمية التى ساهمت الكويت بتأسيسها منذ انطلاقتها الأولى عندما كان يطلق عليها (الجات)جاءت التشريعات الكويتية متناغمة ومستمدة من القوانين الدولية مما أوجد ضمان وحماية كاملة للاستثمارات الاجنبية.
وتتبع الكويت سياسة تجارية حرة لذا تعد الأسواق الكويتية واحة للتجارة الحرة وفي ظل قانون الجمارك الموحد لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لا تتعدى الرسوم الجمركية الـ 5 في المئة على معظم السلع المستوردة .
وتظهر الاحصاءات الرسمية التى نشرتها ادارة التخطيط والبحوث بوزارة التجارة والصناعة ان اجمالي الصادرات الكويتية الى كل دول العالم خلال الفترة من عام 2000 الى 2005 بلغ حوالي 861989 مليون دينار كويتي .
واشارت الاحصاءات ان اجمالي الصادرات الكويتية الى دول الخليج العربية خلال هذه الفترة بلغ حوالي 307296 مليون دينار في حين بلغت الصادرات الكويتية الى الدول العربية خلال الفترة ذاتها حوالي 304772 مليون دينار فيما قدرت الصادرات الكويتية الى بقية دول العالم بحوالي 249921 مليون دينار.
وقالت نشرة بنك الكويت المركزي الخاصة بتجارة الكويت الخارجية ان واردات الكويت خلال عام 2005 بلغت نحو 4.7 ملايين دينار كويتي.
ويحرص سمو أمير البلاد الشيخ صباح الاحمد في الكثير من المناسبات الى دعم الاقتصاد الكويتي من خلال مواكبة النهضة الاقتصادية الكبيرة التى يمر بها العالم اجمع.
وينتهج سموه مبدأ الاقتصاد الحر واتاحة المجال للاقتصاد الكويتي لينافس اقتصاديات المنطقة حيث دعا سموه الى تذليل الصعاب امام المستثمرين المحليين والعالميين وتخفيف القيود البيروقراطية وتشريع قوانين جديدة لحماية وتشجيع الاستثمار حتى تكون الكويت مركزا ماليا واقتصاديا للمنطقة وللعالم.
كما يؤكد سمو الشيخ صباح الاحمد في مناسبات عدة ان القطاع الخاص يجب ان يكون له دور رئيسي في التنمية الاقتصادية ووفقا للتقرير الدولي (الاعمال التجارية 2007)الصادر عن مؤسسة التمويل الدولية (أي اف سي) التابعة للبنك الدولي احتلت الكويت المركز الثاني بعد المملكة العربية السعودية كأكثر الدول العربية جذبا للاستثمارات الاجنبية .
كما حققت الكويت المركز الرابع على مستوى الشرق الاوسط وشمال افريقيا والـ 44 على مستوى العالم في النمو الاقتصادي التنافسي وفق تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي لمؤشر التنافس الدولي (جي سي أي).
التعليم ركيزة التنمية البشرية
من ناحية اخرى، يمثل التعليم الركيزة الاساسية للتنمية البشرية الشاملة وتحرص الدولة على توفير مكان لكل فرد في مراحل التعليم المختلفة فقد بلغ عدد التلاميذ في العام الدراسي 2005 / 2006 حوالي 336 ألف تلميذ وتلميذة موزعين على 664 مدرسة حكومية منها 176 لرياض الاطفال و211 للمرحلة الابتدائية و163 للمرحلة المتوسطة و114 للمرحلة الثانوية يدرس فيها ما يقارب من 40 ألف مدرس ومدرسة.
اما مدارس التعليم الخاص فقد بلغ عددها في العام الدراسي 2005 / 2006 حوالي 474 مدرسة يدرس فيها ما يقارب من 168 ألف تلميذ وتلميذة يدرسهم اكثر من 10 آلاف مدرس ومدرسة.
وبلغ عدد الطلبة المقيدين بكليات التعليم التطبيقي في العام الدراسي 2005 / 2006 حوالي 18 ألف طالب وطالبة يدرسهم حوالي 1000 مدرس ومدرسة في حين بلغ عدد الطلبة المسجلين في جامعة الكويت اكثر من 18 ألف طالب وطالبة يدرسهم اكثر من 1000 دكتور.
يذكر انه بناء على اقتراح من سمو أمير البلاد الشيخ صباح الاحمد عقد في الكويت خلال هذا الشهر المؤتمر الوطني لتطوير التعليم تحت شعار (التعليم سبيل التنمية) الذى حث فيه سموه المشاركين في المؤتمر على أهمية تحديث مناهج التعليم واستخدام الآليات الحديثة في المنظومة التعليمية بما يواكب التطورات المتلاحقة في عصرنا الحالي ويساهم في رفع كفاءة مخرجات التعليم.
وتوفر دولة الكويت الخدمات الصحية الشاملة والمتقدمة للمواطنين بالمجان كما توفرها بيسر وباسعار رمزية للمقيمين فانشأت الحكومة العديد من المستشفيات والوحدات الصحية المعززة بالاطباء والاخصائيين في مختلف فروع الطب اضافة الى انتشار المستشفيات والعيادات الخاصة بكل أرجاء البلاد.
كما حرصت الدولة على كفالة الرعاية الاجتماعية وتطوير خدماتها في كل الميادين لتوفير حياة افضل للمواطنين وتعميق الشعور بالتضامن الاجتماعي وحمايتهم من المشكلات التي تهدد استقرارهم وتعوق تفاعلهم في خدمة انفسهم ومجتمعهم كما تحرص الكويت على رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة حيث توفر لهم دور العلم الخاصة بهم والمستشفيات التأهيلية واماكن الاقامة لمن يحتاجون الى ملاحظة على مدى الاربع والعشرين ساعة.
تاريخ المنطقة
إن أهمية الخليج العربي والكويت من منظور التاريخ والعلاقات الدولية والتجارة العالمية تمتد إلى قديم الزمان والعصور الوسطى، ولقد كانت أراضي الكويت الحالية تقع ضمن أراضي دولة كندة الوسطى العربية التي قامت خلال الفترة من القرن الثالث حتى الخامس الميلادي .
ولقد أثبت التنقيب الأثري الذي بدأ على يد البعثة الدنمركية في جزيرة فيلكا عام 1958م وما عثر عليه من آثار قيام حضارة تاريخية قديمة في الكويت، ذلك لأن تلك البلاد تتصل من جهة الغرب بالجزيرة العربية التي هي جزء لا يتجزأ منها، كما أنها تتصل بحرا بالخليج العربي فكان لا بد من أن يكون تاريخها في قديمه ووسيطه مرتبطا ارتباطا وثيقا بالجزيرة العربية وسكانها وبمنطقة الخليج .
ويذكر المؤرخون أن الإسكندر الأكبر حينما غزا بلدان الشرق لاكتشاف الطريق الملاحي فيما بين مصب نهر السند وشط العرب عبر الخليج في 326 ق.م وأقام الإغريق في فيلكا . ولقد عثر بها على حجر (إيكاروس) الذي سجل عليه الإغريق كتاباتهم بجانب الآثار الأخرى العديدة، وهي أدلة تاريخية تؤكد قيام حضارة قديمة في الكويت عاصرت حضارات الشرق القديم .
ويذكر أحد المؤرخين أن أرض الكويت شهدت يوما من أيام الحرب بين الحارث بن عمرو بن حجر الكندي و المنذر بن ماء السماء الذي هزم الحارث عند جزيرة وارة، ولقد شهدت شواطئ الخليج أول صدام في فجر الإسلام بين الفرس والمسلمين إبان خلافة أبي بكر الصديق سنة 12هـ الموافق 633 م في كاظمة (ذات السلاسل) المعروفة لاحقا بالكويت، ولقد تكرر ذكر كاظمة في أخبار الشعراء.
وفي نهاية القرن التاسع إلى نهاية القرن الحادي عشر الميلادي دخلت منطقة الكويت مع جزء كبير من شبه الجزيرة العربية ضمن دولة القرامطة القوية التي هددت الخلافة العباسية في بغداد، وبعد اضمحلال هذه الدولة نشأت على أنقاضها مجموعة من الإمارات المحلية ذات الصفة القبلية التي استمرت إلى نهاية القرن الخامس عشر الميلادي . وكان ميناء كاظمة على ساحل الكويت يؤدي في تلك الفترة وظيفة البوابة البحرية لشرقي الجزيرة العربية .
وفي العصر الحديث برز بنو خالد كأقوى قبيلة عربية في هذه المنطقة وتمكنوا في نهاية القرن الخامس عشر من فرض سيطرتهم على مساحات شاسعة تمتد من البصرة حتى قطر بما فيها أرض الكويت، ولقد رفض شيوخ بني خالد الاستسلام للسيطرة التركية بعد ذلك . وعندما تولى الشيخ براك بن عريعر سنة 1669 م زعامة بني خالد حاصر مدينة الإحساء الرئيسية - الهفوف - إلى أن سقطت بعد استسلام الحاكم التركي (عمر باشا) لتنتهي بذلك عمليا سيطرة الأتراك على الساحل الغربي للخليج العربي.
هذا وقد ظهر شأن الكويت حينما سكنها بعض الأسر ذات الشأن كآل صباح والأسر الأخرى من المهاجرين معهم ممن ينتمون إلى قبيلة عنزة وغيرها : وهم أول من شيد فيها البيوت الحجرية التي اتخذوها مقرا لهم.
وقد أطلق على الكويت في بداية الأمر اسم «القرين»، وهو الاسم الذي ظهرت به في الأوربية للقرنين الثامن عشر والتاسع عشر ثم تحول الإسم إلى «الكويت».
ويعود تاريخ أسرة آل الصباح في الكويت إلى عام 1613م حسب ما ذكرته رسالة الشيخ مبارك إلى المقيم البريطاني في الخليج حول تحديد حدود الكويت وقد استهلها بقوله (الكويت أرض قفراء نزلها جدنا صباح 1022 هـ ) التي توافق عام 1613م، وقد أشارت إلى بداية نشوء الكويت الذي سبق أن ذكرناه والذي أيدته مجموعة من المصادر، إذ تواترت عدة روايات عن استقرارها ورخائها في الفترة من 1649م وهي السنة التي أرسل فيها أهل القرين (وهو اسم الكويت قديما ) سفنا وسلاحا وأموالا إلى سلطان عمان ناصر بن مرشد لمعاونته علي تصديه للبرتغاليين،كما أورد ذلك الأستاذ عبد الله محمد الطائي في كتابه (قصة الشراع الكبير)، وهذا يدل علي استقرار سياسي ورخاء اقتصادي كانت تنعم به الكويت، مرورا باكتشاف نسخة من كتاب الموطأ الذي خط في جزيرة فيلكا عام 1682م، وهي جزيرة تابعة للكويت لا تبعد عن شاطئها أكثر من 17 كم، ونوع الخط ومستواه يكشفان عن عناية تامة وتمكن من الكتابة والضبط والشكل مما يؤكد وجود بيئة علمية في الجزيرة هي صورة مصغرة عن بيئة علمية أكبر وأشد رسوخا في الكويت، وانتهاء بسنة 1709م عندما زارها أحد الحجاج السوريين وهو مرتضى بن علوان في طريق عودته من رحلة الحج ووصف أسواقها وعمارتها وأشار إلى رخائها الاقتصادي واستقرارها، وبالإضافة إلى تلك الإشارات الواضحة عن استقرار الكويت ورخائها وازدهارها خلال القرن السابع عشر، لا نجد ما يشير إلى أي اضطراب سياسي أو صراعات على الحكم أدت إلى تبدله وتغيره، وما زالت إشارة الشيخ مبارك في رسالته إلى تاريخ أسرة آل صباح الكويت منذ 1022 هـ (1613م) هي الوحيدة التي لا نجد ما ينقضها أو يضعفها، بل علـى العكــس من ذلـك فـإن جمـيــع ما سبق ذكره يقوي تلك الرواية ويعزهـا، مــع أن أول حــاكم حكمها من أسرة الصبــاح تاريخياً هو الشيخ / صباح بن جابر (صباح الأول) (المتوفي سنـة 1190هـ الموافق 1776م).
الأدلة التاريخية
الحقيقة أن هناك الكثير من الأدلة التاريخية التي تؤكد استقلال الكويت عن التبعية للدولة العثمانية منذ نشأة الكويت في مطلع القرن السابع عشر، أما بعد عقد معاهدة الحماية البريطانية فقد حاولت الدولة العثمانية مد سيادتها الفعلية إلى الكويت، ولذلك اتخذت بعض الإجراءات عندما أدركت وجود اتصالات كويتية بريطانية، فأعادت تعيين والي البصرة السابق حمدي باشا عدو الشيخ مبارك الصباح، وقد أعد بعض الخطط ضد الكويت لتحقيق أهداف الدولة العثمانية التوسعية في المنطقة.
ومن الإجراءات الأخرى التي اتخذتها الدولة العثمانية تعيين موظف لميناء الكويت، وقد رفض الشيخ مبارك الصباح استقباله، وفرض رسوما جمركية قدرها 5 في المئة على كل الواردات بما فيها الواردات العثمانية من ولاية البصرة، كما قامت تلك السلطات بتأليب ابن الرشيد ضد الشيخ مبارك والكويت مستغلة تطلعاته التوسعية، وقد دارت بينهما معركة «الصريف» في مارس 1901م، وفي أعقابها أرسلت السلطات العثمانية - إلى الكويت سفينة محملة بقوات عسكرية - لتهديد الشيخ مبارك، وسرعان ما تدخلت بريطانيا بموجب معاهدة الحماية حين أمر نائب الملك في الهند اللورد كيرزون السلطات البحرية البريطانية بالعمل على حماية الكويت، فوصل طراد بريطاني إلى الشاطئ الكويتي وأنذر السفينة العثمانية التي انسحبت فورا.
وقد تعددت وتنوعت المحاولات العثمانية لمد سيادتها الفعلية إلى الكويت دون جدوى، فقد أصر الشيخ مبارك على عدم الاستجابة لتلك المحاولات حتى بعد أن منحه السلطان العثماني رتبة الميراميران في مايو 1900.
اضطرت الحكومة العثمانية أمام فشل محاولاتها إلى التفاهم مع الحكومة البريطانية في سبتمبر 1901 على المحافظة على الوضع القائم في الكويت، لكنها في يناير عام 1902م اتخذت خطوة مهمة أرادت منها تقليص نفوذ الشيخ مبارك الصباح، وذلك باحتلال بعض المواقع شمال إمارة الكويت «أم قصر - سفوان - جزيرة بوبيان» وهي مواقع مهمة لخط سكة حديد برلين بغداد، الذي كانت الحكومة الألمانية تسعى لإقامته وجعل الكويت نهاية هذا الخط كما أشرنا.
لقد أثار هذا الإجراء غضب الشيخ مبارك واحتجاجه حيث قدم الأدلة الكثيرة التي تؤكد تبعية هذه الأراضي لبلاده، والحقيقة أن هذا الاحتلال العثماني يعد بداية لمشكلة الحدود الكويتية مع ولاية البصرة العثمانية.
أما فيما يتعلق بتطور العلاقة الكويتية البريطانية فقد كان أساسها معاهدة الحماية والاتفاقيات والارتباطات التي تلتها، فقد تم تعيين الوكيل السياسي البريطاني في الكويت في يونيو 1904م، وقد زاول عمله في أغسطس 1904م ومنها اتفاق 15/10/1905م الذي كان هدفه استئجار شاطئ ميناء الشويخ، لإيجاد مرسى لسفن الأسطول الحربي البريطاني.
وفي 29/7/1911 تعهد الشيخ مبارك بعدم السماح للأجانب بالغوص على الإسفنج أو اللؤلؤ في مياه الكويت إلا بموافقة الحكومة البريطانية، وفي 27/10/1913م تعهد الشيخ مبارك الصباح بعدم منح ترخيص للتنقيب عن البترول إلا بعد الحصول على الموافقة المسبقة من الحكومة البريطانية، وفي نوفمبر 1914م اعترفت بريطانيا بإمارة الكويت إمارة مستقلة تحت الحماية البريطانية، وكما دفعت الظروف الشيخ مبارك الصباح في عام 1899 وما بعدها إلى الارتباط ببريطانيا، نجد أن الظروف التي أحاطت بالكويت مــن بـعــده دفعتها إلى المحافظة على الارتباط بالحكومة البريطانية، وفي الثلاثينيات، ومع تطور العـلاقـات بيــن إمـــارة الكـويــت وجـيــرانهـا (السعودية - العراق - إيران ) واحتمال وجود البترول في الإمارة اقترح بعض الموظفين الإنجليز أن تدعم بريطانيا سيطرتها على الكويت وذلك بعقد اتفاقية جديدة تحل محل الاتفاقيات المتعددة وتسد الفراغات فيها، ومنذ عام 1934 تقريبا خرجت دائرة العلاقات الكويتية البريطانية عن نطاقها العربي أو التأثر به وصارت تتأثر بتيارات دولية أكبر وذلك بمناسبة دخول الشركات الأمريكية كمنافس في التنقيب عن بترول الكويت وإمارات الخليج العربي الأخرى.
هذا، ولقد طرح العديد من المقترحات المتعلقة بمركز بريطانيا في الكويت والعلاقات الكويتية البريطانية إلا أن هذه المقترحات لم تجد طريقها إلى التنفيذ، ولم تعقد معاهدة جديدة تسد الفراغات في الارتباطات السابقة.
أما على الصعيد الداخلي فقد شهدت الكويت بعض التطورات سواء تلك المرتبطة بنظام الحكم أو الإدارة المحلية ففي عام 1921م تم تشكيل مجلس الشورى بالتعيين، وأنشئت المدرسة النظامية الأهلية الثانية والتي أطلق عليها اسم المدرسة الأحمدية نسبة إلى حاكم الكويت آنذاك الشيخ أحمد الجابر الصباح، وكانت المدرسة النظامية الأهلية الأولى قد افتتحت في ديسمبر 1911، وأطلق عليها اسم المدرسة المباركية نسبة إلى حاكم الكويت الشيخ مبارك الصباح كما تم تأسيس البلدية في عام 1930م وانتخب أعضاء المجلس البلدي في 1932 حيث شهدت إمارة الكويت أول انتخابات في تاريخها.
ورغم صعوبة المعيشة وقسوتها في تلك الفترة حيث ارتبط اقتصاد الكويت كغيرها من إمارات وبلدان الخليج العربي وشبه الجزيرة العربية ارتباطا وثيقا بالاقتصاد التقليدي المرتبط بالبحر، فكان الغوص على اللؤلؤ وصيد السمك وصناعة السفن والشباك والأنشطة المرتبطة بالصحراء من رعي الأغنام وغيرها - أظهر المجتمع الكويتي تعاطفه مع قضايا الأمة العربية وفي مقدمتها فلسطين، فقد شهدت الكويت في عام 1936م حملة تبرعات قام بها أبناء الكويت لصالح فلسطين.
وكان حاكم الكويت الشيخ أحمد الجابر الصباح آنذاك قد وقع في ديسمبر 1934 اتفاقية التنقيب عن النفط مع شركة بترول الكويت - إنجليزية - أمريكية - ومنذ أن دلت عمليات الحفر الأولية على وجود البترول في أراضي إمارة الكويت بكميات تجارية خلال 1936 - 1938 ازدادت أهميتها.
وبالنسبة لنظام الحكم فقد شهدت الكويت في يونيو 1938 انتخابات لأول مجلس تشريعي استمر من يوليو إلى ديسمبر 1938، وفي يونيو 1946م تم تصدير أول شحنة من البترول الكويتي وبدأت الكويت تشهد في أواخر الأربعينيات (1949)حركة عمران بإنشاء بعض المرافق العامة وافتتاح مستشفي جديد، وتم شق بعض الطرق الجديدة.
ومع النمو الاقتصادي والسكاني والتطور الثقافي سارت الكويت بخطوات حثيثة نحو التقدم والاستقلال منذ مطلع الخمسينيات، وازدهرت الحركة الثقافية والفكرية والسياسية فيها وازدادت أعداد المتعلمين وتعددت المدارس وتنوعت البعثات التعليمية إلى جامعات العالم.
وظهر العديد من المجلات مثل مجلة البعثة التي كانت تصدر ابتداء من عام 1946م من بيت الكويت في القاهرة،
والتي أصدرها وأشرف عليها المرحوم الأستاذ عبد العزيز حسين حين كان مشرفا على الطلبة هناك. وصدرت مجلة كاظمة في سنة 1948م ومجلة الرائد عن نادي المعلمين في سنة 1952 ومجلة الإيمان في 1953م عن النادي الثقافي القومي، ومجلة اليقظة عن المدرسة المباركية، ومجلة الإرشاد في عام 1953م عن جمعية الإرشاد الإسلامي ومجلة الفجر عام 1955م عن نادي الخريجين، وكلها كانت تنشر مقالات تتناول الوضع العام وضرورة الإصلاح، كما برزت ونشطت بعض الأندية المهنية والثقافية والسياسية، وازداد الوعي الوطني السياسي والقومي، وظهرت بعض التيارات والاتجاهات السياسية سواء بسبب عودة الشباب الكويتي من الجامعات في الخارج أو بسبب ما حمله العديد من الوافدين العرب الذين قدموا للعمل في الكويت.
وأصبح من الضروري على المجتمع الكويتي أن يواجه في تلك الفترة الكثير من التحديات الداخلية والخارجية بعد أن بدأت إمارة الكويت بالتحول من بلد فقير إلى بلد غني، يتمتع بإمكانيات مادية كبيرة، فقد حقق إنتاج النفط تحولا كبيرا في الكويت على مختلف الأصعدة والمجالات مما زاد من اهتمام بريطانيا بالإمارة التي زادت أهميتها الدولية. ولقد تطلعت بريطانيا إلى الحصول على مساعدة الكويت في الخطط الطويلة المدى لرفع مستويات المعيشة في بلدان الشرق الأوسط الواقعة تحت الحماية أو النفوذ البريطاني، وكانت تريد من خلال علاقتها بالكويت تحقيق عدة أهداف كما أشرنا من قبل، فالكويت كانت تشكل مصدرا هائلا للبترول وعاملا في ميزان المدفوعات البريطاني، ومن تلك الأهداف :
1) ضمان إدخال القدر المطلوب من الإشراف المالي البريطاني لتجنب الإضرار بمصالح منطقة الإسترليني.
2) ضمان وصول ثروة الكويت إلى كافة الكويتيين للحيلولة دون ظهور الأفكار الشيوعية وبالتالي النفوذ السوفييتي.
3) الاحتفاظ بأكبر قدر من النفوذ البريطاني في الكويت.
ومنذ مطلع الخمسينيات شهدت إمارة الكويت بعض التطور والتجديد في الإدارة المحلية، فقد تم تشكيل اللجنة التنفيذية العليا في عام 1954م، ثم المجلس الأعلى والهيئة التنظيمية عام 1956م إلى جانب بعض المجالس المحلية التابعة للإدارات الحكومية مثل مجلس المعارف، ومجلس الأوقاف، والمجلس البلدي، ومجلس الصحة.
الرأي العام الكويتي
ما كانت الحكومة البريطانية بكل إداراتها وممثليها الرسميين في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط تحاول إيجاد السبل التي تزيد من خلالها نفوذها في إمارة الكويت لكي تضمن وصول الفائض من دخلها إلى لندن - كانت الإمارة تتجه نحو الاستقلال، وكان الوعي الوطني السياسي القومي يتزايد بما يتعارض مع السياسة والمصلحة البريطانية، وقد ازداد نشاط الشباب الكويتيين ونقدهم للأوضاع الإدارية، كما نشطت المجلات والنشرات الكويتية بهذا الصدد، بالإضافة إلى البيانات السياسية التي كانت توزع سرا في 1953، 1954 وتدعو إلى الاستقلال والحكم النيابي، وكان حاكم الكويت آنذاك الشيخ عبد الله السالم الصباح - الذي كان رئيسا لأول مجلس تشريعي في الكويت سنة 1938 - يرحب بالنقد البناء وكان يعمل على السير بخطوات مدروسة نحو الاستقلال وإعلان الدستور.
ومنذ عام 1959 سارت الكويت في وضع القوانين والأنظمة مثل قانون الجنسية 1959م وقانون النقد الكويتي 1960 وقانون جوازات السفر، وتنظيم الدوائر الحكومية، وكلها خطوات في طريق الاستقلال التام الذي كان الشيخ عبد الله السالم الصباح عازما على المضي فيه، والحقيقة أن الكويت لم تكن بعيدة عن التفاعل والمشاركة في العديد من النشاطات
الاجتماعية والثقافية العربية، ونشاطات جامعة الدول العربية مثل الدورة الثالثة لحلقات الدراسات الاجتماعية للدول العربية في دمشق في ديسمبر 1952 وكذلك المعسكر الكشفي العربي، كما أنشأت الكويت مكتبا لمقاطعة إسرائيل بالإضافة إلى مساهمة إمارة الكويت في الكثير من المؤتمرات الاجتماعية والاقتصادية المتعلقة بشؤون البترول
إعلان الاستقلال
لقد أيقن الشيخ عبد الله السالم الصباح أن معاهدة الحماية لم تعد صالحة بعد أن تغيرت ظروف إمارة الكويت التي سارت خطوات واضحة في طريق الاستقلال وامتلكت الكثير من مقوماته، ولم يعد شعب الكويت يقبل استمرار القيود التي فرضتها معاهدة الحماية رغم إدراكه أن تلك الحماية كان لها إيجابياتها في تلك الفترة، ولكن الظروف لم تعد كما كانت في السابق، ومن ثم يجب إلغاء المعاهدة، وبالفعل أبدى حاكم الكويت الشيخ عبد الله السالم الصباح رغبته في استبدال اتفاقية صداقة جديدة تواكب التطورات والمتغيرات بهذه المعاهدة.
موقف الحكومة البريطانية
قبلت الحكومة البريطانية الطلب الكويتي حيث أدركت صعوبة رفض هذا الطلب، وتم تبادل المذكرات بين المقيم السياسي البريطاني في الخليج العربي في ذلك الوقت السير ويليام لوسي وأمير الكويت الشيخ عبد الله السالم الصباح في 19/6/1961م، وتم بموجبها ما يلي :
إلغاء معاهدة 23/1/1899 باعتبارها تتعارض مع سيادة الكويت واستقلالها.
تستمر العلاقات بين البلدين تسودها روح الصداقة الوثيقة. الاتفاق على أن يتم التشاور بين البلدين عند الحاجة في القضايا التي تهمهما.
لا تؤثر هذه النتائج على استعداد الحكومة البريطانية لمساعدة الكويت إذا طلبت الحكومة الكويتية مثل هذه المساعدة، وهكذا تم إعلان استقلال دولة الكويت في 19/6/1961.



المرأة جنباً إلى جنب مع الرجل
من ناحيتها، تقف المرأة الكويتية جنبا الى جنب مع اخيها الرجل في بناء الكويت الحديثة فقد حصلت على حقوقها السياسية في مايو 2005 عندما صوت مجلس الامة الكويتي في جلسة تاريخية على مشروع بقانون لمنح المرأة حقها السياسي في الانتخاب والترشيح لعضوية البرلمان والمجلس البلدي وتم بالفعل مشاركة المرأة في هذه الانتخابات وتم اختيارها بمنصب وزيرة. وتأكيدا على هذه المكانة المتميزة للمرأة الكويتية لم يفتأ سمو أمير البلاد الشيخ صباح الاحمد على الاشادة بدورها في مسيرة بناء الوطن بمختلف المجالات الحيوية جنبا الى جنب مع اخيها الرجل. وتطرق سموه في احدى المناسبات الى النجاح الذى حققته المرأة الكويتية خلال توليها العديد من المناصب القيادية المهمة التي كانت محط اعجاب الجميع سواء على الصعيدين المحلي والاقليمي او على الصعيد الدولي.
وتشير احصاءات ادارة التنمية البشرية بقطاع التخطيط واستشراف المستقبل بوزارة التخطيط ان عدد سكان دولة الكويت زاد بشكل عام من 2991189 نسمة في عام 2005 الى 3182960 نسمة في عام 2006 بمعدل نمو سنوي قدره 6.4 في المئة حيث ارتفعت نسبة عدد الكويتيين من 992217 نسمة عام 2005 الى 1023316 نسمة عام 2006 بمعدل نمو سنوي قدره 3.1 في المئة بينما زاد عدد غير الكويتيين من 1998972 نسمة الى 2159644 نسمة بمعدل نمو سنوي قدره 8 في المئة. وارتفعت نسبة الذكور مقابل الاناث في المجتمع الكويتي من 168.6 في المئة عام 2005 الى 1717.8 في المئة عام 2006 كون غالبيته الوافدين للعمل في الكويت من الذكور. ويتميز المجتمع الكويتي بانه مجتمع فتي حيث ان نسبة السكان دون الـ 15 عاما بلغت 39.9 في المئة من جملة السكان الكويتيين في ديسمبر 2006 اما كبار السن الذين يبلغون من العمر 60 عاما فاكثر فان نسبتهم بلغت 4.7 في المئة للعام نفسه. وتشير الاحصاءات الرسمية ان قوة العمل بين الكويتيين ارتفعت من 320511 فردا عام 2005 الى 341185 فردا عام 2006 محققة معدل نمو قدره 6.5 في المئة الا ان نصيب الكويتيين من اجمالي قوة العمل في البلاد انخفض من 17.7 في المئة الى 17.4 في المئة للفترة نفسها وارتفعت قوة العمل للاناث الكويتيات فبلغت 41.7 في المئة من اجمالي العمالة الوطنية . وكان سمو امير البلاد الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح قد اكد في أول خطاب يوجهه للمواطنين بعد توليه مقاليد الحكم في البلاد في نهاية شهر يناير 2006 انه لا يمكن ان ينجح القائد في مهمته الا بتعاون شعبه تعاونا حقيقيا. وقال سموه انه يتطلع للشعب الكويتي ملئ الثقة ان نضع ايدينا مجتمعة لبدء عصر جديد من العمل الجاد وانه كنا طوال السنين نصبو بتلهف وشوق الى وطن مثالي يسوده النظام ويعمل أهله باخلاص للنهوض به كما نشاهد ونرى في البلدان المتقدمة الاخرى. واكد سموه اننا نتطلع الى وطن متقدم في شتى المجالات يعمل اهله باخلاص ووفاء يجعلون مصلحة الوطن قبل مصلحتهم ويتجاهلون منافعهم الذاتية في سبيل منفعة الجميع يحرصون على مصلحة الوطن وممتلكاته ومنجزاته ويثرونه بالعمل والانتاج والحفاظ على الوقت والثروة ويحترمون القانون والنظام. وقال سموه «اننا ان وطدنا العزم على تحقيق ذلك فسيكون وطننا مزدهرا وحياتنا سعيدة وسنضرب مثلا للآخرين باننا شعب يحب العمل والانتاج واثراء الحياة».

الطريق إلى الاستقلال
يعتـبــر تـولــي الشيــخ مبــارك الصبـاح حكم إمارة الكـــويت فـــي 17/5/1896م بداية لمرحلة جديدة في تاريخ الكويت، تميزت بالاهتمام الدولي بهذا الإقليم، وظهور مشروعات سكك الحديد وفي مقدمتها سكة حديد برلين بغداد، ومحطات الفحم، ومنذ البداية أدرك الشيخ مبارك الصباح أهمية التفاهم مع أكبر دولة إسلامية هي الدول العثمانية. لقد تكللت محاولات الشيخ مبارك الصباح بالنجاح وحصل على الاعتراف العثماني في ديسمبر 1897م، لكن الشيخ مبارك لم يكن ينوي الاكتفاء بالاعتراف العثماني رغم حرصه عليه، ولذلك فقد اتخذ خطوة سريعة وهامة في طريق المحافظة على بلاده من التدخل العثماني المباشر أو غير المباشر، بأن طلب في فبراير 1897م لقاء الكولــونـيـــل «مـيــد» الـمقيم السياسي البــريطـــاني فــي الخليــج العربي، وقد تم اللقاء في 2/9/1897م بين حاكم الكويت الشيخ مبارك الصباح و«جاكسن» مساعد المقيم السياسي البريطاني، ولم يتردد الشيخ مبارك في طلب الحماية البريطانية، مثل تلك التي تتمتع بها البحرين وإمارات الساحل، وأوضح أنه يرى والشعب الكويتي أن الدولة العثمانية تريـد ابتـلاع الكـويــت، وأنـه ليست هناك أية اتفاقيات مع الدول العثمانية، ولمنع امتداد سيطرتها إلى بلاده فإنه يريد الدخول تحت الحماية البريطانية. ولقد تحققت مخاوف الشيخ مبارك الصباح بعد ذلك، رغم الاعتراف العثماني فإنه لم يضع حدا للمشاكل والصراع الدائر حول الكويت، ولم تتخذ الدولة العثمانية موقفا حازما من ابن الرشيد حاكم نجد آنذاك، بل على العكس من ذلك فقد شجعت ابن الرشيد على معاداة الشيخ مبارك الصباح. ورغم أهمية موقع الكويت بالنسبة للمصالح البريطانية، وإدراك بريطانيا تلك الأهمية منذ عام 1775م لم تكن راغبة في حماية الكويت لما يترتب على الحماية من التزامات مالية وعسكرية، فضلا عن رغبتها في عدم اضطراب علاقتها بالدولة العثمانية. ولكن في عام 1898م برزت عدة عوامل دفعت بريطانيا إلى إعادة النظر في سياستها تجاه إمارة الكويت، فقد أكدت التقارير البريطانية أن هناك تحركات عسكرية عثمانية بالقرب من البصرة، كما تناولت نشاط روسيا في الخليج العربي ومحاولتها الحصول على امتياز إقامة محطة للفحم في المنطقة، وامتياز مد خط سكة حديد من البحر المتوسط «طرابلس» إلى الخليج العربي، وبالتحديد إلى الكويت عبر حمص وبغداد باسم مشروع كابنيست، إلى جانب النشاط الاقتصادي الألماني ومشروع سكة حديد برلين بغداد، وكانت ألمانيا تريد الحصول على بضعة أميال من خليج كاظمة لجعله نهاية هذا الخط. هكذا ضغطت الظروف على حاكم الكويت الشيخ مبارك الصباح، وفي الوقت نفسه كانت الخطط الروسية والألمانية تهدد المصالح البريطانية في منطقة الخليج العربي، ولذلك، وبناء على أمر من اللورد كيرزون نائب الملك البريطاني في الهند، عقد المقيم السياسي البريطاني «ميد» معاهدة الحماية مع حاكم الكويت الشيخ مبارك الصباح في 23/1/1899 وبموجبها تعهد الشيخ مبارك هو وخلفاؤه من بعده بما يلي :
1 - لا يستقبل وكيلا أو قائم مقام أو ممثلا من جانب أي دولة أو حكومة في الكويت أو في أي قطعة أخرى من حدوده بغير موافقة الحكومة البريطانية.
2 - لا يتنازل أو يفوض أو يؤجر أو يبيع أو يرهن أو ينقل بنوع آخر ولا يعطي للسكن أي جزء من أراضيه لدولة أجنبية أو رعايا إحدى الدول الأخرى دون الحصول على موافقة الحكومة البريطانية، وتنسحب هذه الشروط على أي جزء من أراضي الشيخ مبارك والتي تكون في ذلك الوقت في حوزة رعايا أو حكومة أجنبية. لقد حرصت بريطانيا على أن تجعل المعاهدة سرية حتى لا تثير المشكلات مع الدولة العثمانية وروسيا وألمانيا، لكنها سوف تضطر وبسبب الظروف الدولية إلى إبلاغ ألمانيا بها بواسطة السفير الألماني في اسطنبول، كما أنها سوف تفصح في مجلس العموم عام 1903م عن طبيعة العلاقة مع إمارة الكويت. ويلاحظ القارئ أن المعاهدة عبارة عن التزام من جانب حاكم الكويت، ورغم أنها معاهدة هدفها الحماية إلا أن بنودها لم تنص على هذا التعهد، ولكن بالممارسة طبقت تلك الحماية. ومنذ ذلك التاريخ (23/1/1899) أصبحت هذه المعاهدة هي المحور الذي تدور حوله العلاقات الكويتية البريطانية، حيث جعلت هذه المعاهدة الحكومة البريطانية مسؤولة عن الشؤون الخارجية لإمارة الكويت - دون أن تعطيها حق التدخل في الشؤون الداخلية للكويت -التي أصبحت تشكل أهمية مباشرة في السياسة البريطانية، ومن ثم كانت بريطانيا مستعدة لاستعمال القوة لمواجهة التدخل العثماني
أو غيره. لقد أراد حاكم الكويت الشيخ مبارك الصباح من هذا الارتباط حماية بلده وشعبه، والتصدي لمحاولات والي البصرة وغيره، أما بريطانيا فقد استطاعت إبعاد الألمان والروس عن مصالحها في الخليج العربي، حين استكملت حلقة الارتباطات مع إماراته. ومما لا شك فيه، أنه كان لهذه المعاهدة فائدة لكلا الطرفين، فقد استطاعت بريطانيا أن تسيطر على إمارة الكويت ذات الموقع الاستراتيجي على رأس الخليج العربي والتي هي في طريق المواصلات إلى الهند، كما أنها أصبحت فيما بعد مركزا مهما من مراكز استخراج البترول الذي يزود الأسطول والمصانع البريطانية، واستطاعت إمارة الكويت الاحتفاظ باستقلالها بعيدا عن التدخل العثماني. لقد قيدت هذه المعاهدة حقوق الكويت في التصرف بأراضيها، بالموافقة البريطانية، أي أن الشيخ مبارك لم يتنازل مطلقا عن حق التصرف في أراضي الكويت لكن المعاهدة قيدته، كذلك الحال بالنسبة لقبول موظف أو مندوب، هذا ولم تتنازل الكويت عن شؤونها الخارجية بنص المعاهدة لكن بموجبها تم وضع القيد على استقبال مندوب أو وكيل إلا بالموافقة البريطانية المسبقة، ثم إن المعاهدة لا تمنح بريطانيا حق التدخل في الشؤون الداخلية للكويت.


