اعتاد تلفزيون وإذاعة الكويت منذ ستة عقود بث مجموعة من الأغاني الخاصة إيذانا بليلة العيد يدرك اثرها المواطنون أن اليوم التالي سيكون أول أيام عيد الفطر السعيد. ولا تزال تلك الأغاني التي سجلت اثناء الستينات والسبعينات تسكن الذاكرة وتمد المواطنين بإحساس من الفرح والبهجة ومنها أغنية (العيد هل هلاله) للمطرب الراحل محمود الكويتي وأغنية المطرب الراحل غريد الشاطئ (يا مرحبا بالعيد يا محلا أيامه/عسى علينا يعيد ونحمل أعلامه) وأغنية الراحل عوض دوخي (صوت السهارى).
ورغم بساطة الإمكانات ووسائل الاتصال قديما ووجود شبكات الانترنت والكم الهائل من المحطات الفضائية والتي تبث على مدار الساعة حاليا فان تلك الاغاني لم تنتشر على المستوى المحلي بل على المستوى الخليجي والعربي.
وعن مقومات الأغنية الكويتية القديمة اجمع عدد من الكتاب والملحنين في لقاءات متفرقة مع وكالة الأنباء الكويتية ( كونا) على ان الفن الكويتي الاصيل مايزال يقدم اروع الاغاني حينما تتوفر له الفرصة لذلك .
وقال الفنان والملحن ابراهيم الصولة ان الاغنية الكويتية حققت خلال العقود الماضية شهرة واسعة بفضل عدد من الرواد الاوائل من ملحنين وكتاب ومطربين قدموا اجمل الالحان واعذب الكلمات واجمل الاصوات التي اثرت الساحة الغنائية الكويتية وكان لها بصمة على مستوى الطرب المحلي والخليجي والعربي ومثلت مرآة تعكس نهضة الشعب والأمة وتطورهما.
وأضاف الصولة ان المتتبع للحركة الفنية يجد ان تراثنا الشعبي الاصيل لعب دورا كبيرا واعتبر منهلا خصبا فهناك نوعية من شعراء الاغنية تكتب باحساس وصدق برغبه ذاتية نابعة من البيئة ومنها اغنية الراحل غريد الشاطئ (يا مرحبا بالعيد... يا محلا أيامه) التي غناها بمناسبة عيد الفطر السعيد وسجلها عام 1961 وهي من تأليف وتلحين ابن الصحراء .
وأوضح ان قصة أغنية (العيد هل هلاله) تعود الى بداية الستينات بعد عودة مجموعة من المطربين للاذاعة بتشجيع من وزير الاعلام الاسبق الشيخ جابر العلي رحمه الله ومنهم الفنان محمود الكويتي الذي غنى هذه الاغنية وهي من الحانه و كلمات الشاعر ابراهيم السديراوي النجدي. وعن اغنية الفنان دوخي (صوت السهارى) ذكر الصولة ان هذه الاغنية ذاع صيتها ليس محليا وانما خليجيا وعربيا وكلماتها من التراث الكويتي القديم حيث غنتها الفرق الشعبية في المناسبات والاعياد واشتهرت بذلك فرقة عواد سالم وعنوانها (حس السهارى) وقام الملحن الدكتور الراحل يوسف دوخي بتغييرها الى (صوت السهارى) ووضع لها لحنا حديثا حيث كانت تغنى في السابق بالتصفيق والشيله .
وقال ان سر بقاء وجمالية هذه الاغاني هو ماتحمله من الأفكار والألحان والكلمات الجميلة في قالب ايقاعي موسيقي متناغم مع العمل الجماعي وهو ما خلد موهبة وقدرة الجيل القديم على صناعة الأعمال الغنائية الاصيلة النابعة من التراث .
من جانبه قال الملحن غنام الديكان ان الأغنية الكويتية مرت بمراحل عدة هي المرحلة التقليدية في الثلاثينات والأربعينات بين فنون المناسبات وأغاني العمل والمهن اضافة الى بعض الشيلات والأهازيج وشملت أربع بيئات هي المدينة والبحر والصحراء والقرى خاصة فنون البيئة القروية المنسية والتي كادت تندثر.
وأضاف ان الفن الكويتي الأصيل كان يغنى شفهيا ويحفظ بالذاكرة ولم يكن هناك توثيق الى أن أتت الاسطوانات و(البشتختة) حيث قام مطربون كويتيون بتسجيل بعض الاسطوانات في دول عربية على الرغم من قلتها وكانت تلك بداية مرحلة تسجيل وتوثيق الاغنية الكويتية .
وذكر انه اعقب ذلك جيل من الفنانين الكويتيين الذين أخذوا على عواتقهم مهمة التطوير والتجديد مع المحافظة على الأصالة سواء كان ذلك على مستوى الكلمة أو على مستوى الإيقاع واللحن الا ان بداية الطفرة الفنية والثقافية في الكويت حدثت في نهاية الأربعينات وبداية الخمسينات في عهد الوزير الراحل الشيخ جابر العلي . وقال انه مع بداية النهضة الفنية في الكويت عام 1960 فان الانتقال باللحن من مقام الى مقام كان يعكس مدى قدرة إبداع الملحن وهو الأسلوب الذي كان سائدا حيث يستعرض الملحن موهبته في الموسيقى عبر الانتقال من مقام إلى مقام وفق تناغم موسيقي جميل ويضفي عليه صوت المطرب وأداؤه بعدا جماليا يكمل جمال الكلمة واللحن والعزف ثم دخلت "الاوركسترا" وكانت نقلة كبيرة بعد أن كانت الأدوات الموسيقية مقصورة على العود والطبل والمراويس .
وذكر الديكان اننا اليوم نعيش عصر السرعة وقد غير أسلوب الحياة والرتم السريع للحياة كل شيء فلم يعد هناك من استعداد او وقت لسماع لحن أغنية وهذا بدوره اثر على الأغنية الكويتية التي فقدت الكثير من أصالتها وقيمتها.
وعن الغناء والموسيقى والرقصات الشعبية قال الباحث في التراث الشعبي المؤرخ والكاتب منصور الهاجري ان الموسيقى والرقصات والأغاني والاحتفالات الشعبية احتلت جانبا مهما في المجتمع الكويتي حيث كانت الاحتفالات بالعيد الفطر والاضحى ناهيك عن الأعياد الوطنية تستغرق اكثر من أسبوع تشارك فيها جميع الفرق الشعبية والبحرية وتقام العرضة وتدق الطبول والمراويس والعود والشيلات والتصفيق كأدوات موسيقية لمعظم الأغنيات.
وأضاف انه في الماضي كانت تؤدي النساء فقط كثيرا من الأغنيات والرقصات المختلفة وذلك في خصوصية تامة وقد يشارك الرجال في بعض منها بالعزف فقط حيث لم يكن يسمح للمرأة بالغناء والرقص في الاحتفالات العامة لذلك كثيرا ما كان يستعان بفرق نسائية متخصصة في إحياء الحفلات. واشار الهاجري الى عدد من فنون الغناء والفن قديما على سبيل المثال (الطنبوره) وهي رقصة افريقية جاء بها العمانيون للكويت وتعتمد على النغمة الخماسية البطيئة.
وذكر ان (السامري) هي أغنية ورقصة تؤدى في حفلات الزفاف ينقسم فيها الفريق إلى قسمين أحدهما للعزف على الطبول والدفوف والآخر للغناء ترتدي من تؤدي الرقص الثوب لتغطي به نصف وجهها ثم تتحرك بخطوات إلى الأمام وإلى الخلف ثم تدور دورة ترفع بعدها الثوب عن رأسها ووجهها لتلوح بشعرها على أنغام الأغنية.
وقال الهاجري ان العرضة البحرية كانت احدى أهم أغاني البحارة الكويتيين والذين كانت تتصف أغانيهم بألحانها المميزة الجميلة وكانت تؤدى حين تقترب السفينة من شاطئ آمن بعد أسابيع من إبحارها في عرض البحر فيحمل البحارة الطبول والدفوف ليحتفلوا بسلامة الوصول.
وذكر ان العرضة البرية هي أغنية ورقصة حرب وسلام يدور فيها الرجال في حلقة وهم يحملون السيوف في حين تقوم فرقة متخصصة بالغناء والعزف على الطبول فيما يؤدى الصوت بالعزف على العود وطبل صغير يطلق عليه (مرواس).
واضاف ان (المآلد) أو الموالد تؤدى في المناسبات الدينية كالمولد النبوي الشريف وليلة الإسراء والمعراج ويتقدم المولد سيدة أو رجل متدين متخصص ينشد نصوصا من السيرة النبوية الشريفة والمدائح ويرد عليه الحاضرون منشدين (حي الله) في نهاية كل بيت وينحنون إلى الأمام مع كلمة (حي) ويعتدلون مع ترديد الله و تؤدى هذه الأناشيد دون أدوات موسيقية وتكون عادة باللغة العربية الفصحى.