دبي / تتخذ دولة الامارات العربية المتحدة خطوات جديدة لزيادة دخلها من الضرائب وهي تحاول التعافي من الانهيار العقاري في العام الماضي وفقاعة الاصول.
لكن اخذة في الاعتبار سمعتها كمركز للضرائب المنخفضة وحتى لا تبعد الاجانب فان الامارات تركز على زيادة الضرائب غير المباشرة وتقاوم فرض ضرائب مباشرة على مواطنيها على الاقل في الوقت الحاضر.
وتواجه امارة دبي موقفا صعبا فيما يتعلق بالميزانية واضطرت شركاتها الحكومية المثقلة بالديون لبيع أصول لسداد مستحقات الدائنين وبصفة خاصة مجموعة دبي العالمية التي تبلغ ديونها 39.9 مليار دولار.
وقال فيليب دوبا-بانتاناسي كبير الخبراء الاقتصاديين لدى ستاندرد تشارترد "يمكن أن تشكل ضرائب اضافية صغيرة غير مباشرة خطوة الى الامام حتى اذا لم تترجم الى مصادر مهمة لايرادات الحكومة."
وأضاف "ارتفعت رسوم انتظار السيارات بنحو المثلين منذ أشهر قليلة مضت ونشهد خفضا في دعم البنزين بحوالي 50 في المئة."
وانخفض دعم أنواع الوقود الاخرى أيضا وتدر الرسوم المختلفة لانجاز المعاملات الحكومية ايرادات للحكومة وتعمل بشكل فعال كضرائب مخفية.
لكن اقرار فرض ضرائب بشكل صريح سيشكل تحولا حادا في الاتجاه حيث تستخدم دبي اعفاءاتها الضريبية كوسيلة لجذب أنشطة الاعمال الى المنطقة وتقوية وضعها كمركز مالي شرق أوسطي.

وتظهر اخر بيانات متاحة عن ميزانية دبي منذ 2009 أن الايرادات غير الضريبية وتشمل النفط والغاز وأرباح الشركات والرسوم شكلت نحو 71 في المئة من اجمالي الايرادات فيما شكلت الايرادات من الرسوم الجمركية حوالي 29 في المئة.
ولدى دبي عجز متوقع في ميزانية 2010 يبلغ ستة مليارات درهم أي اثنين في المئة من الناتج المحلي الاجمالي بارتفاع عن عجز متوقع في 2009 يبلغ 4.2 مليار درهم. لكن تفاصيل أرقام 2010 غير متاحة.
وفي الوقت نفسه فإن الدولة تدرك جيدا أن فرض مزيد من الاجراءات الضريبية الواضحة-ضرائب على الشركات ودخل الافراد وضريبة القيمة المضافة أو ضريبة عقارية- سيدفع الاجانب للرحيل بأنشطتهم.
وقال ضاحي خلفان تميم رئيس لجنة ميزانية دبي الشهر الماضي انه كمواطن وحتى كمسؤول يريد ترك كل شئ على حاله. واضاف انه يريد أن تكون دبي أرخص مدينة في المنطقة.
لكن لا تزال هناك علامات على سعي الحكومة لايجاد وسائل جديدة لدعم دخلها.
وخفضت الامارات ثالث أكبر مصدر للنفط في العالم دعم الوقود مرتين في 2010 وقال مسؤول نفطي ان أسعار البنزين يمكن أن ترتفع مرة أخرى هذا الشهر مع تحرك الحكومة لخفض الدعم الذي يشكل عبئا على الميزانية. ونفت شركة بترول أبوظبي الوطنية الحكومية أن يكون هناك قرار بمثل هذا التحرك.
وقال جياس جوكنت رئيس البحوث لدى بنك أبوظبي الوطني "يسير فرض رسوم على الطرق ورسوم أخرى جنبا الى جنب مع تطوير البنية التحتية والخدمات ويمكن أن تشكل هذه الاجراءات مصدرا لايرادات مرتفعة مستدامة.
"وتقوم أبوظبي أيضا بتركيب عدادات لرسوم انتظار السيارات في وسط المدينة. ويمكن أن يدر هذا الاجراء دخلا كبيرا اضافة الى زيادة أسعار البنزين."
وفي دبي تم ادخال رسوم الطرق في 2007 ورفعت السلطات رسوم انتظار السيارات بنحو المثلين الى درهمين (0.55 دولار) للساعة الاولى في مارس اذار الماضي.

وقالت حكومة الامارات في أواخر 2009 ان جميع المقيمين ويقدر عددهم بنحو 4.6 مليون شخص يجب عليهم الحصول على بطاقات هوية حيث تتكلف البطاقة الواحدة للشخص البالغ 100 درهم مما يعني ايرادات تبلغ 125 مليون دولار.
ويقول مقيمون ان الحكومة رفعت الضرائب على ايجارات المساكن وزادت الشرطة من الكمائن لضبط السرعات والمخالفات على الطرق. ونشرت دبي 50 سيارة دورية لتوقيف مخالفي المرور والسيارات ذات التراخيص المنتهية.
وقالت شاهين شاهيني وهي صاحبة شركة صغيرة لرعاية الحيوانات الاليفة انها ستغادر البلاد اذا تم فرض ضرائب.
وأضافت "كان العمل والمعيشة بدون الضرائب هو ما دفعني لانشاء شركتي هنا وهذا هو السبب الرئيسي وراء انتقال المواطنين الى دبي."
وفي الوقت الحاضر من المتوقع أن يتمثل المصدر الرئيسي لاموال جديدة في بيع أصول واصدار سندات. وتتطلع مجموعة دبي العالمية أكبر مدين في دبي لبيع أصول ثمينة تصل الى 19.4 مليار دولار لسداد مستحقات الدائنين.
ويمكن أن يؤدي التحرك بشكل أسرع من اللازم لفرض ضرائب مباشرة على الشركات وعلى دخل الافراد أو ضرائب قيمة مضافة الى الاخلال بالتوازن السياسي بين الامارات السبع المكونة لدولة الامارات العربية المتحدة حيث أن أي مقترح لامارة يجب أن تتبناه بقية الامارات وفقا للقوانين الحالية .
وفي اطار الخطوات التي قد تلجأ إليها الحكومة فإن الإمارات قد تضطر لتكثيف مبيعات الاصول والاقتراض الحكومي حيث تواجه الماليات الحكومية ضغوطا من جدول متخم باستحقاقات الديون على الشركات شبه الحكومية خلال السنوات القليلة القادمة.
ومع تعافي الامارة من انفجار فقاعة عقارية فانها تتوقع عجزا في الميزانية بنسبة تصل الى اثنين في المئة من الناتج المحلي الاجمالي هذا العام. ويقول محللون انه في حين أن هذا منخفض جدا بالمعايير العالمية فستحتاج الحكومة لزيادة الايرادات في مواجهة أعباء ديونها الهائلة.
وفي ظل معاناة شركات مملوكة للدولة من ديون تبلغ قيمتها أكثر من 100 مليار دولار فان شركات أغلبها شبه حكومية تواجه استحقاقات تبلغ حوالي 30 مليار دولار من القروض والسندات في 2011-2012.
وأشارت وثائق اطلعت عليها رويترز الشهر الماضي الى أن مجموعة دبي العالمية الحكومية التي تتصدر الشركات المدينة في الامارة تدين حاليا بمبلغ 9 ر39 مليار دولار وهو أعلى بكثير من مبلغ كان متوقعا على نطاق واسع عند حوالي 25 مليار دولار.
وتسعى المجموعة جاهدة للتوصل الى خطة لاعادة هيكلة الديون قد تشمل بيع أصول بما يصل الى 19.4 مليار دولار. وقد يشمل ذلك الان أيضا شركة موانيء دبي العالمية التي كانت مستبعدة من خطة اعادة هيكلة الديون.
وقال بنك اوف امريكا ميريل لينش في مذكرة بحثية للعملاء "في ظل توقع أن تبلغ الايرادات العامة ثمانية مليارات دولار في 2010 .. يبدو الوضع المالي لدبي ضعيفا مقارنة مع الضمانات خارج الميزانية الحكومية التي ربما الزمت نفسها بها بموجب اقتراح اعادة هيكلة دبي العالمية."
وقدر البنك أن ديون دبي قد تصل الى 170 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي. وبالمقارنة مع ذلك يتوقع أن يكون عبء ديون اليونان - التي جرى انقاذها من الافلاس بخطة انقاذ بقيمة 110 مليارات يورو (141 مليار دولار) من جانب الاتحاد الاوروبي وصندوق النقد الدولي هذا العام - حوالي 103 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي في 2010.
وتسببت أزمة ديون دبي في ابطاء خطى الاقتصاد الاماراتي اذ يتوقع أن ينمو بنسبة 2.1 في المئة هذا العام ليسجل ابطأ وتيرة في المنطقة. ومن المنتظر أن تسجل أبوظبي عجزا في الميزانية في 2010 للعام الثاني على التوالي بعدما قدمت مساعدات لدبي بقيمة عشرة مليارات دولار العام الماضي.
وقال بنك أوف امريكا ميريل لينش "الفجوة الكبيرة الضمنية في التمويل من المرجح أن تؤدي الى تجدد الضغوط على دبي وفي نهاية الامر أبوظبي من خلال الدعم الضمني وزيادة الاصدارات الخارجية."
ويقول محللون ان مبيعات الاصول واصدارات السندات هما أفضل خيار لدبي لتعزيز الايرادات لان الوسائل الاخرى لن تجني سيولة كافية في وقت مناسب لسداد الديون.
والاصول الثمينة الاخرى التي يمكن أن تبيعها دبي في المستقبل هي المنطقة الحرة في جبل علي وحصص دبي العالمية في فندق اتلانتس وشركة ادارة نوادي القمار ام.جي.ام ريزورتس انترناشونال.
وقال جون سفاكياناكيس كبير الخبراء الاقتصاديين لدى البنك السعودي الفرنسي في الرياض "لا يوجد أدنى شك في أن الحكومة ستضطر لبيع بعض أصولها لجمع أموال."
ويدفع العجز المالي لدبي الحكومة أيضا الى البحث عن وسائل جديدة لتعزيز الدخل مثل خفض دعم الوقود وفرض ضرائب محلية وفرض رسوم مختلفة.
لكن الامارة تحرص على الحفاظ على وضعها كمركز للاعمال منخفض الضرائب ولذلك من المرجح أن تختار اللجوء الى زيادات ضئيلة في الضرائب غير المباشرة وتترك الضرائب المباشرة على ما هي عليه وتقوم بخفض الانفاق بدلا من ذلك. وكانت دبي قد أعلنت الاسبوع الماضي أن المشروعات الحكومية الجديدة في السنوات القادمة ستكون على أساس الجدارة فقط.
ويقول محللون ان جدول سداد الديون المتخم خلال العامين القادمين يمكن أن يضغط على دبي لاصدار سندات. واذا وجدت أن ذلك صعبا فقد تضطر الى طلب تمويل من السعودية أو قطر أو الكويت.
وقال خبير استراتيجي لدى بي.ان.بي باريبا "يواجهون استحقاقات كثيرة في 2011 وفي 2013 و2014 .. لذا يبدو أنهم يواجهون ضرورة .. لكن المسألة هي ما اذا كانوا سيتمكنون من الحصول على عوائد جذابة للاصدار في الوقت الحالي."
وقال رئيس دائرة المالية في دبي لرويترز الشهر الماضي ان الامارة ستبقي خياراتها مفتوحة بشأن اصدار ديون محتمل في وقت لاحق هذا العام لكنها لا تواجه ضغوطا للجوء الى السوق.
والتقى مسؤولون من دبي مع مستثمرين في الادوات ثابتة الدخل في اسيا الشهر الماضي فيما اعتبر علامة على أن اصدار سندات يمكن أن يكون مطروحا.
وقال مستثمر في الادوات ثابتة الدخل "قد يصدرون على الارجح سندات بقيمة 500 مليون الى مليار دولار.. أكثر من ذلك بكثير سيكون صعبا.
"أموال البنوك الخاصة الاسيوية ما زالت متعطشة الى حد كبير للعائد. ستكون سندات لدبي لاجل سبع سنوات بعائد جيد شيئا طيبا للغاية على الارجح."
واجتذبت هيئة كهرباء ومياه دبي الحكومية عروضا بقيمة 11.5 مليار دولار على سندات بقيمة مليار دولار في ابريل نيسان لكنها اضطرت لدفع علاوة نسبتها 1.25 في المئة على السعر السيادي الاساسي.
وتراجع عائد سندات دبي التي تستحق في 2014 الى 6.8 في المئة من عشرة في المئة في فبراير شباط.
وكبديل لذلك قد تضطر دبي لمفاتحة السعودية وقطر بخصوص مسألة دين. ويقول محللون ان ابوظبي ستكون متاحة مجددا في اسوأ السيناريوهات.
وقال المستثمر في الادوات ثابتة الدخل "ربما 500 مليون دولار من كل من السعودية والكويت وقطر لن تشكل أي عبء على أي منها."
غير أن محللين يقولون ان هذا يمكن أن تكون له مخاطر مما يجعل بيع الاصول واصدار السندات السبيل الارجح.
وقال المستثمر "هل ترغب دبي في ان ينظر اليها على أنها مثل لبنان ... تحتاج الى أن تسعى في المنطقة لجمع تمويل بأسعار مخفضة."