تغطيات

بريطانيا .. مخاوف من تفاقم العجز التجاري

قالت بريطانيا إن اقتصادها نما في الربع الثاني من العام الحالي بضعف التوقعات، مدفوعا بنمو قطاع الخدمات وزيادة كبيرة في إنتاج قطاع الإنشاءات وقال المكتب القومي للإحصاء إن الناتج المحلي الإجمالي لبريطانيا ارتفع بنسبة 1.1% بالمقارنة بالربع الأول، مما يمثل أسرع زيادة في أربع سنوات, وبنسبة 1.6% بالمقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.

وقد تثير هذه الأرقام تساؤلات عن الفترة التي يستطيع فيها بنك إنجلترا المركزي الاستمرار في خفض سعر الفائدة التي تصل حاليا إلى أدنى معدلات على الإطلاق، بينما يزداد التضخم ليتخطى المستويات المستهدفة.

ونما قطاع الخدمات البريطاني بأسرع وتيرة في ثلاث سنوات حيث ارتفع بـ0.9% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، مسهما بما نسبته 0.7% في النمو الاقتصادي. كما ارتفع الإنتاج الصناعي بنسبة 1.6% وهو أعلى معدل في عشر سنوات.

في نفس الوقت نما قطاع الإنشاءات بمعدل 6.6% وهو أسرع معدل منذ 1963. وقال المكتب إن الارتفاع في قطاع الإنشاءات جاء بعد هبوط بنسبة 1.6% في الربع الأول.
 


مهمة لم تكتمل
وبرغم هذه الأرقام المشجعة قال وزير المالية جورج أوزبورن إن مهمة إصلاح الاقتصاد لم تكتمل بعد.

وأضاف "إن الأرقام تشير إلى أن مساهمة القطاع الخاص في نمو الاقتصاد وصلت إلى 0.1% فقط في الربع الثاني, وهو ما يبرر البدء في إجراءات معالجة عجز الموازنة".

وقال جيمس نايتلي بمؤسسة آي إن جي الاستشارية إن النمو في الربع الثاني كان قويا جدا بما يسمح للحكومة بتبرير قرارها بتنفيذ إجراءات تقشف قاسية للتغلب على عجز الموازنة وعلى الديون الحكومية المتفاقمة.

لكنه حذر من أن ثقة الشركات تشير إلى هبوط في النمو في الربع الثالث من العام الحالي. كما أن إجراءات التقشف التي تتخذها حكومة ديفد كاميرون ستؤثر في معدل النمو.

سعر الفائدة
على صعيد اخر قالت مؤسسة استشارية إن سعر الفائدة ببريطانيا سيبقى عند أدنى مستوى وهو .5% لمدة أطول بكثير مما هو متوقع وقالت إيرنست أند يونغ في تقرير إن بنك إنجلترا سيبقي الفائدة دون تغيير حتى عام 2014 من أجل موازنة إجراءات التقشف الحكومية.

وأشارت صحيفة إندبندنت إلى أن توقعات إيرنست أند يونغ تتناقض مع توقعات مكتب المسؤوليات المالية الذي قال إن سعر الفائدة سيبدأ في الارتفاع خلال العام القادم.

كما أفاد التقرير بأن أسعار الطاقة وارتفاع ضريبة القيمة المضافة ستبقي التضخم فوق المستوى المستهدف في الـ18 شهرا القادمة وقال كبير المستشارين الاقتصاديين لإيرنست أنديونغ بيتر سبنسر إن مستوى الـ0.5% سيبدو في وقت لاحق أنه المستوى العادي الجديد.

وتوقع التقرير أن تسفر سياسة التقشف للحكومة الائتلافية عن بطء النمو الاقتصادي في العامين القادمين لكنها لن تخنق الانتعاش كما توقع بدء النمو في 2013 مدفوعا بزيادة في استثمارات الشركات وفي الصادرات أكثر منه بزيادة في الإنفاق الحكومي.
 

يشار إلى أن بنك إنجلترا المركزي حافظ على مستوى الفائدة عند 0.5% منذ مارس/آذار في 2009 بالتوازي مع خطة إنفاق حكومية بقيمة 200 مليون جنيه إسترليني.

وبالرغم من أن انخفاض سعر الفائدة يعود بالنفع على المقترضين فإنه يضر بأولئك الذين يعتمدون على دخولهم من عوائد المدخرات.

وزادت الضغوط لرفع الفائدة في وقت قريب بعد أن أظهرت أرقام مكتب الإحصاء القومي أن الاقتصاد البريطاني سجل نموا بنسبة 1.1% في الربع الثاني من العام الحالي، أي ضعف ما كان متوقعا، في أفضل أداء له في أكثر من أربع سنوات.

المشكلات الرئيسية
الاقتصاد البريطاني وفقا لصحيفة الاندبندنت يواجه ثلاث مشكلات رئيسية تتمثل في ارتفاع التضخم وهبوط معدل النمو وارتفاع البطالة. ومن المتوقع أن يتحسن مستوى المعيشة في بريطانيا بصورة طفيفة في السنوات القليلة القادمة.

ويقول كبير اقتصاديي بنك إنجلترا المركزي سبنسر ديل في مقابلة نشرتها الخميس صحيفة ذي إندبندنت البريطانية إنه لا يتوقع عودة التضخم إلى النسبة الرسمية المستهدفة وهي 2% قبل نهاية العام القادم، لأسباب منها رفع ضريبة القيمة المضافة ابتداء من يناير/كانون الثاني القادم كما أعلن في بيان الموازنة.

وقالت الصحيفة إن ديل اعترف بأن الموازنة الطارئة لبريطانيا سعت لخفض مخاطر أزمة الدين الحكومي للبلاد ورفع معدل الفائدة، لكنه اعترف أيضا بأن الموازنة تعني هبوطا في النمو. وقال إنه لن يستغرب إذا ارتفع معدل البطالة في الأشهر القليلة القادمة.
 

 

وأضاف ديل "في السنوات الثلاث أو الأربع أو الخمس القادمة سيكون الطلب في الاقتصاد ضعيفا بصورة غير معقولة مقارنة بحالات الانتعاش السابقة".

وأشار إلى أن توقعات النمو والتضخم تدهورت في الشهرين الماضيين، فارتفع معدل التضخم أكثر من المتوقع، كما أن زيادة الضريبة على القيمة المضافة تعني أن معدل التضخم سيرتفع، وقال "أتوقع أن يظل فوق المستوى المستهدف حتى نهاية العام القادم".

كما أن هناك ما يشير إلى أن النمو سيضعف أيضا بسبب الموازنة. يضاف ذلك إلى القلق الذي تشعر به الأسواق إزاء الدين السيادي لأوروبا، مما يؤثر في مقدرة البنوك على الحصول على السيولة، وكيفية تنفيذ الدول في العالم لخطط التحفيز الاقتصادي.

عودة الركود
ويؤكد ديل أن الاقتصاد البريطاني لن يعود إلى الوضع المعتاد "لوقت طويل".وتوقع مكتب المسؤوليات المالية البريطاني خسارة الاقتصاد لأكثر من 600 ألف وظيفة في القطاع الحكومي خلال السنوات الخمس القادمة.

وأضرت الأزمة المالية في أوروبا وموازنة التقشف البريطانية بالشركات وثقة المستهلكين، مما يعني نموا أضعف واحتمال عودة الركود مرة أخرى في المستقبل.

وقالت ذي إندبندنت إن النظام المصرفي الأوروبي قد يواجه مشكلة غدا الجمعة بعدما يتم الإعلان عن نتائج اختبارات التحمل التي أجريت على 91 مؤسسة مالية في أوروبا للتأكد من مقدرتها على مواجهة الأزمات في المستقبل، فالبنوك التي سيعلن عن ضعفها يجب أن يتم إنقاذها أو أن تترك للانهيار.
 

ويقول ديل إن مستوى المعيشة في السنوات القليلة القادمة سيكون أقل من المؤمل وسيتحسن بصورة طفيفة، فارتفاع الضرائب وتجميد الزيادة في الرواتب وارتفاع معدل البطالة وهبوط الإنفاق الحكومي.. كلها تشير إلى أن الوضع لن يكون جيدا بالنسبة لعائلات كثيرة. يضاف إلى ذلك أن ارتفاع معدل البطالة سيضع ضغوطا على أسعار المنازل.

ويوضح أن مدى هبوط قطاع التوظيف سيعتمد على العلاقة بين ضغوط الموازنة ومتطلبات الرواتب في القطاع العام، ويقول إن القلق سيظل يساور بنك إنجلترا إزاء احتمال ارتفاع معدل التضخم حتى لو كانت هناك مؤشرات على ضعف الاقتصاد.

تهديد بإضرابات
وفي هذا الشأن هدد أكبر اتحاد عمالي في بريطانيا بشن موجة إضرابات هذا الصيف احتجاجا على خطة لخفض الإنفاق الحكومي هذا العام بنحو ثمانية مليارات دولار للحد من العجز المرتفع في الموازنة العامة.

ونقلت صحيفة ذي غارديان عن الأمين العام المساعد لاتحاد عمال بريطانيا, لين ماكلوكسي, قوله إن عمال القطاعين العام والخاص سيضربون إذا استهدف خفض الإنفاق -الذي ستعلن عنه قريبا حكومة ديفد كاميرون- عددا كبيرا من الوظائف, وأثر سلبا على الرواتب وظروف العمل.

وقال أثناء تجمع لدعم طواقم الخطوط الجوية البريطانية المضربين عن العمل إن الشوراع لن ُتنظف, وحاويات الفضلات لن تُفرّغ عندما تستهدف الحكومة عمال القطاع العام هذا الصيف.

يشار إلى أن اتحاد عمال بريطانيا (يونايت) يضم 1.6 مليون عضو بينهم مائتا ألف من عمال القطاع العام موزعين بين عمال نظافة وعاملين في المهن الطبية والتعليمية المساندة.
 

ونقلت اليومية البريطانية عن ماكلوكسي قوله بعيد التجمع الداعم لطواقم الخطوط البريطانية إن عمال القطاعين العام والخاص لن يقبلوا أن تتحمل الوظائف عبء خفض الإنفاق العام.

وأضاف المسؤول النقابي -المرشح لتولي رئاسة الاتحاد العمالي الأكبر في بريطانيا- إن هذه الأزمة ليست من صنع العمال, ولذلك يتعين ألا يُطلب منهم دفع ثمنها.

وتابع ماكلوكسي أن على الحكومة أن توجه أنظارها إلى مصادر أخرى يمكن من خلالها خفض الإنفاق العام مثل التهرب الضريبي. وحسب تأكيده, فإن التهرب الضريبي يكلف بريطانيا سنويا 25 مليار جنيه إسترليني (36.3 مليار دولار).

وقالت ذي غارديان إن أثر خطة الحكومة للضغط على الإنفاق العام لتوفير نحو ثمانية مليارات دولار هذا العام, وبالتالي الحد من العجز الذي يفوق 250 مليار دولار, سيكون ملموسا أكثر لدى اتحادين عماليين آخرين هما يونيزون وجي إم بي.

وكان رئيس الوزراء البريطاني قد رجح قبل أيام في مقابلة صحفية خفض الإنفاق الحكومي على الرعاية الاجتماعية والقطاع العام في الموازنة الجديدة التي سيعلن عنها في الثاني والعشرين من الشهر الحالي, وتوقع أن تواجه بلاده سنوات قادمة "مؤلمة" في ظل هشاشة الانتعاش الاقتصادي.

العجز التجاري
يذكر ان العجز التجاري البريطاني شهد ارتفاعا غير متوقع في مايو الماضي حيث بلغت الواردات أعلى معدل لها منذ عامين مع نمو ضئيل للصادرات, وشهدت أسعار المنتجين تراجعا في يونيون السابق.

وقال مكتب الإحصاءات الوطنية في بيان إن العجز التجاري ارتفع إلى 8.1 مليارات جنيه إسترليني (12.3 مليار دولار) من 7.4 مليارات جنيه معدلة بالزيادة في أبريل/نيسان الماضي.

وكان مستوى العجز في أبريل/نيسان الماضي قد بلغ 7.3 مليارات جنيه في قراءة أولية, في حين كانت توقعات المحللين تقدره بحوالي 6.8 مليارات جنيه (11.2 مليار دولار).

وأظهرت البيانات أن واردات البلاد ارتفعت بنسبة 2.4% في مايو/أيار مقارنة بأبريل/نيسان لتبلغ 29.5 مليار جنيه (44.7 مليار دولار), وهو أعلى معدل منذ يوليو/تموز 2008، في حين ارتفعت الصادرات بنسبة لا تتجاوز 0.2% إلى 21.5 مليار جنيه (32.6 مليار دولار).

واتسع العجز التجاري مع الدول خارج الاتحاد الأوروبي أيضا بشكل غير متوقع إلى 4.9 مليارات جنيه (7.4 مليارات دولار) ما يقرب 700 مليون جنيه (1.06 مليار دولار)، أعلى من توقعات المحللين.

وكان هذا العجز مفاجأة لخبراء الاقتصاد الذين انتظروا من دون جدوى الحصول على انتعاش قائم على التصدير في بريطانيا بعد انخفاض قيمة الجنيه بنسبة 20%.

وكان العجز التجاري البريطاني بلغ 7.522 مليارات جنيه إسترليني (11.04 مليار دولار) في مارس/آذار الماضي من 6.305 مليارات جنيه (9.25 مليارات دولار) في فبراير/شباط الماضي, بعد أن بلغت الصادرات 21.437 مليار جنيه (31.46 مليار دولار).

من جهة أخرى قال مكتب الإحصاءات الوطنية إن أسعار المنتجين انخفضت بنسبة 0.3% في يونيو/حزيران، وتراجع معدل التضخم السنوي إلى 5.1% من 5.5% في مايو/أيار, أقل بكثير من التوقعات بنسبة 5.7%.

صدمة نفطية..
الى ذلك نقل عن وزير الطاقة البريطاني كريس هوهن قوله إنه «من المرجح جدا» أن تواجه بريطانيا أزمة في الطاقة في غضون السنوات العشر القادمة، مما سيجعل اقتصادها عرضة «لضربات شديدة جدا». وفي مقابلة مع صحيفة «فاينانشيال تايمز» قال هوهن إن بريطانيا تواجه خطر أن تصبح عرضة لارتفاعات حادة في أسعار النفط بالقدر نفسه الذي تعرضت له قبل اكتشاف الحقول النفطية الكبيرة في بحر الشمال في أواخر عقد السبعينات من القرن الماضي. وأضاف قائلا «العالم الذي ندلف إليه لن يكون عالما يبقى فيه سعر النفط ثابتا عند 80 دولارا للبرميل إلى الأبد، أو ثابتا عند 150 دولارا إلى الأبد.

سيكون عالما نواجه فيه ارتفاعات كبيرة جدا في أسعار النفط ستكون لها قدرة هائلة على إلحاق صدمات بالاقتصاد المحلي والاقتصاد العالمي تماما مثلما حدث في السبعينات والثمانينات». ونقلت الصحيفة عن هوهن قوله إن الاستثمار بكثافة في تحسين كفاءة الطاقة والمصادر المتجددة للطاقة هو السبيل الوحيد لتفادي مثل هذه الصدمات. وأضاف قائلا «ما يقلقني هو أننا ننتقل من عالم تعتمد فيه المملكة المتحدة على الطاقة المستوردة في تلبية 27 في المائة فقط من حاجاتها، إلى عالم سترتفع فيه تلك النسبة إلى نطاق من 46 في المائة إلى 58 في المائة في غضون 10 سنوات».

من جهة أخرى، شهد الاقتصاد البريطاني نموا بمقدار مثلي المتوقع تقريبا في الربع الثاني من العام، بسبب انتعاش قطاع الخدمات، وأكبر ارتفاع في أنشطة البناء منذ نحو 50 عاما. وأظهرت بيانات مكتب الإحصاءات الوطنية أن الناتج المحلي الإجمالي ارتفع 1.1 في المائة خلال الربع الثاني في أسرع وتيرة في أربع سنوات. وارتفع خلال العام 1.6 في المائة في أول قراءة إيجابية في عامين.


وتشير البيانات التي تزيد كثيرا عن أكثر التوقعات تفاؤلا في استطلاع أجرته «رويترز» إلى أن الانتعاش الاقتصادي أقوى مما يعتقد كثيرون. ودفعت البيانات الجنيه الإسترليني للصعود بأكثر من نصف سنت أمام الدولار.

وقال هوارد آرتشر، كبير الاقتصاديين لدى «اي إتش إس غلوبال إنسيت»: «زادت احتمالات رفع أسعار الفائدة قبل نهاية العام، بينما تقل الآن إمكانية اللجوء إلى المزيد من إجراءات التحفيز (النقدي). ويبدو من المرجح أن يجعل نمو الناتج المحلي الإجمالي بصورة أكبر من المتوقع في الربع الثاني المناقشات داخل لجنة السياسات النقدية في بنك إنجلترا أكثر حيوية».

وقال وزير المالية جورج أوزبورن إن البيانات تقدم دليلا على قدرة القطاع الخاص على سد الفجوة التي سببها خفض الإنفاق العام. وأضاف «تظهر البيانات أن القطاع الخاص أسهم في إحداث النمو ككل خلال الربع الثاني باستثناء نسبة 0.1 في المائة، وقد بددت الشكوك حول صحة قرار التحرك حاليا لمعالجة العجز».


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى