تغطيات

مخاوف من انكماش اقتصادي عالمي

 

لا تزال الازمة الاقتصادية العالمية تلقى بظلالها على كثير من الدول الصناعية في مقدمتها الولايات المتحدة حيث حث الرئيس الأميركي باراك أوباما الكونغرس على التعجيل بإقرار حزمة مالية طارئة بنحو خمسين مليار دولار لمساعدة حكومات محلية بالولايات المتحدة على تفادي تسريح عشرات آلاف الموظفين, ولدعم انتعاش أكبر اقتصاد في العالم.

وجاءت تلك الدعوة في رسالة إلى زعماء في الكونغرس وكانت موجهة أساسا إلى برلمانيين من الحزب الديمقراطي يبدون ترددا في دعم مزيد من الإنفاق الحكومي.

ويقول الجمهوريون إن الاستمرار في الإنفاق يفاقم الدين العام الذي ارتفع مطلع هذا الشهر لأول مرة إلى 13 تريليون دولار، وفق بيانات نشرتها وزارة الخزانة قبل أيام.

وقالت صحيفة واشنطن بوست إن أوباما حاجج في رسالته بأن هناك حاجة ملحة إلى مزيد من الإنفاق الحكومي, وبأن برامج التحفيز الضخمة التي نفذت العام الماضي لمواجهة الأزمة المالية أخرجت اقتصاد البلاد من ركود بدأ نهاية 2007.

ونقلت عنه قوله في الرسالة ذاتها إنه لا بد من اتخاذ الإجراءات الإضافية التي طلبها, والتي تقول إدارته إنها ستحول دون تسريح عشرات آلاف المدرسين وعناصر الشرطة وأفراد الدفاع المدني.

وبينما يرى خبراء اقتصاد أن مزيدا من الإنفاق الحكومي سيساعد على تقليص معدل البطالة الذي هبط الشهر الماضي بصورة طفيفة إلى 9.7%, يشتكي الجمهوريون من أن ذلك سيفاقم العجز المرتفع بالموازنة العامة.

بل إن أعضاء ديمقراطيين بمجلس النواب خاصة باتوا مترددين في تأييد إجراءات تحفيزية جديدة يقترحها أوباما مع اقتراب انتخابات التجديد النصفي لمقاعد الكونغرس في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.


وكان مجلس النواب قد أخفق الشهر الماضي في إقرار حزمة مالية إضافية بقيمة 24 مليار دولار لبرنامج طارئ لمصلحة العاطلين, ويفترض أن يستأنف مناقشتها هذا الأسبوع.

ولم يحظ بعد طلب آخر بتخصيص 23 مليار دولار لمنع تسريح نحو ثلاثمائة ألف من مدرسي المدارس العامة بالدعم في مجلسي النواب والشيوخ، وفق ما ذكرت واشنطن بوست.

وفي المانيا تظاهر آلاف الألمانيين في مدينة شتوتغارت ضد خطط حكومة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بشأن برنامج التقشف الواسع الذي تسعى لإقراره في مواجهة العجز الهائل في الموازنة العامة.

وبدأت احتجاجات شتوتغارت على خطط التقشف الحكومية تحت شعار "العدالة تختلف عن ذلك" منطلقة من محطة القطارات الرئيسية بالمدينة. وحمل المتظاهرون لافتات يطالبون من خلالها بخفض التقشف في مجال المساعدات الاجتماعية وبزيادة الضريبة على أصحاب الدخل المرتفع.

ودعا لهذه المظاهرات تحالف من النقابات والمعارضة والجمعيات الألمانية, ومن المنتظر أن يتظاهر آلاف آخرون في مدينة برلين ضد خطط الحكومة. واعتبر اتحاد النقابات العمالية الألماني "فيردي" هذه المظاهرة بمثابة شرارة لانطلاق مظاهرات أخرى مماثلة.

وطرحت الحكومة الألمانية الأسبوع الماضي خطة تقشف بقيمة ثمانين مليار يورو (96.9 مليار دولار) للسنوات الأربع المقبلة, وهي أكبر خطة تقشف في تاريخ البلاد وستطبّق ابتداء من العام المقبل.
 

واستقبلت الأوساط الاقتصادية والنقابية والسياسية الألمانية خطة الحكومة لمواجهة العجز المالي المتزايد في موازناتها بالانتقاد والتنديد, وشككت في أن تكون كافية لتجاوز أزمة العجز المتنامي.

وفي معرض إشارتها إلى المظاهرات، دافعت ميركل عن خطة التقشف وقالت "إن الكثير من الناس يعرفون أن علينا أن نتقشف وأن نخفض الديون".

ودعت للمزيد من التفهم للإجراءات التي تتخذها الحكومة لمواجهة الأزمة الاقتصادية, مشيرة إلى أن الإجراءات التقشفية تهدف إلى تشغيل المزيد من العاطلين عن العمل منذ وقت طويل.

وبلغ العجز في موازنة ألمانيا 3.1% من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام الماضي, أي أكثر بقليل من الحد الأقصى الذي تسمح به لوائح الاتحاد الأوروبي وهو 3%. ومن المتوقع أن يتجاوز العجز في موازنة أكبر اقتصاد أوروبي 5% في العام المقبل.

وفي باريس كشفت فرنسا عن خطة تقشف تشمل خفض الإنفاق بقيمة 45 مليار يورو (54.5 مليار دولار) على مدى السنوات الثلاث المقبلة, وانضمت فرنسا بذلك إلى دول أوروبية أخرى اعتمدت إجراءات تقشف لكبح جماح العجز في موازناتها.

وقال رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا فيون إن تقليص النفقات يهدف إلى تحقيق خفض العجز العام في فرنسا ليتلاءم مع الحد الأقصى في الاتحاد الأوروبي المقدر بنسبة 3% من الناتج المحلي الإجمالي.

وأضاف في اجتماع لأعضاء جدد في الحزب الحاكم "لقد التزمنا بتقليص عجز موازنتنا من 8% إلى 3% بحلول عام 2013، وسوف نركز جميع جهودنا على ذلك".
 


وتتوقع الحكومة الفرنسية أن اقتصاد البلاد سينمو بنسبة 1.5% هذا العام, وهو ما يتماشى مع تقديرات صندوق النقد الدولي, بينما تتوقع المفوضية الأوروبية نموا بنسبة 1.3%

وأكد فيون أنه بعد عجز قياسي بنسبة 8% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام فإن تدابير التقشف تهدف إلى خفض العجز إلى 6% بحلول عام 2011 و4.6% في 2012 وصولا إلى 3% في عام 2013.

وتعول الحكومة على نمو الاقتصاد بنسبة 1.4% لكامل هذا العام، بعد أن عانت أشد ركود في عام 2009 منذ الحرب العالمية الثانية مع انكماش بنسبة 2.5%.

وقال فيون إن الحكومة ستخفض العجز العام بحوالي مائة مليار يورو (121 مليار دولار)، نصفها سيتأتى من زيادة المداخيل والنصف الثاني من خلال خفض الإنفاق بقيمة 45 مليار يورو (54.5 مليار دولار) وسد الثغرات الضريبية بقيمة خمسة مليارات يورو (6 مليارات دولار)

وأضاف أن حدوث انتعاش في الاقتصاد سيوفر مبلغا إضافيا قدره 35 مليار يورو (42.4 مليار دولار), بينما سيتأتى مبلغ 15 مليار يورو المتبقي (18.1 مليار دولار) من وقف تدابير مؤقتة لتعزيزالاقتصاد.

وتوقع بنك فرنسا هذا الأسبوع أن ينمو الاقتصاد الفرنسي بنسبة 0.5% في الربع الثاني من السنة، بينما أظهر تقدير أولي من معهد الإحصاءات الرسمية أن النمو الاقتصادي لم يتجاوز0.1% خلال الربع الأول.

الى ذلك يتجه قادة الاتحاد الأوروبي خلال قمتهم المقبلة في بروكسل لفرض ضريبة على البنوك الأوروبية لحملها على المساهمة في عمليات إنقاذ مالي في أزمات مستقبلية.
 

وجاء في مسودة البيان الختامي للقمة أن القادة الأوروبيين اتفقوا على أنه يتعين وضع ضريبة على المؤسسات المالية لضمان مساهمتها في دفع تكاليف الأزمات على شاكلة الأزمة المالية في خريف 2008 التي اضطرت أميركا وأوروبا إلى دفع مئات مليارات الدولارات لإنقاذ المصارف المتعثرة.

ودعت المسودة وزراء المالية في الدول السبع والعشرين الأعضاء ومفوضية الاتحاد الأوروبي إلى إعداد تقرير عن شكل الضريبة التي يفترض تطبيقها بدءا من أكتوبر/تشرين الأول القادم.

وجاء في الوثيقة أيضا أن الاستعدادات لفرض الضريبة على البنوك الأوروبية -والتي حصل اتفاق بشأنها بين سفراء الدول الأعضاء- ينبغي أن تأخذ في الاعتبار كيف يمكن أن تدفع البنوك الضريبة المقررة دون أن تؤثر على قدرتها على التنافس مع البنوك الأخرى خارج أوروبا غير المشمولة بضريبة الأزمات.
وبينما تشكل توافق في أوروبا بشأن الضريبة المقترحة, التي ينتظر أن يقترحها الاتحاد الأوروبي خلال قمة مجموعة العشرين يومي 26 و27 يونيو/حزيران الحالي في تورنتو بكندا, فإن دولا مثل البرازيل وكندا وأستراليا تعارض ضريبة عالمية على البنوك.

وتتذرع هذه الدول بأن بنوكها لم تكن طرفا في الأزمة المالية الماضية حتى تدفع ضرائب توقيا من أزمات قادمة.

وفي المقابل, فإن الضريبة العالمية تلقى تأييدا من الولايات المتحدة بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي ومؤسسات دولية كصندوق النقد الدولي، إلا أنه لا يزال هناك خلاف على ما إن كان يجب أن تطبق الضريبة على أصول البنوك أم على أرباحها؟

ونقلت الوكالة الفرنسية عن دبلوماسي أوروبي في بروكسل قوله إن النقاش بشأن الضريبة المقترحة لا يزال في الواقع مفتوحا.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى