اختتمت مجموعة العشرين في تورونتو قمتها التي طغت عليها القضايا الاقتصادية بهدف ايجاد تسوية حول عدد من المواضيع الخلافية من أجل معالجة نقاط الضعف في انتعاش الاقتصاد العالمي.
وإذا كان زعماء الدول والحكومات الـ20 موحدين حول ضرورة دعم النمو، إلا أنهم منقسمون حول السبل الفضلى لتعزيزه وترسيخه، في وقت يترتب عليهم الإتفاق على نص ختامي يرسم ملامح توافق يصعب التوصل إليه بينهم.
من جهة أخرى، استقبل رئيس وزراء كندا ستيفن في فندق رويال يورك في مدينة تورنتو خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وقادة دول مجموعة العشرين الاقتصادية.
وحضر خادم الحرمين الشريفين وقادة مجموعة العشرين عشاء العمل الذي أقامه رئيس وزراء كندا لهذه المناسبة.
وأفادت وكالة الانباء السعودية ان خادم الحرمين الشريفين التقى خلال عشاء العمل بقادة دول مجوعة العشرين الاقتصادية والأمين العام للأمم المتحدة وجرى خلال اللقاءات مناقشة المواضيع الاقتصادية المدرجة على جدول أعمال القمة.
وتوقّع مراقبون قريبون من مصادر القرار أن تطلب مجموعة الـ20 في البيان الختامي لقمتها التي اختتمت أعمالها في مدينة تورنتو الكندية من الدول خفض العجز إلى النصف بحلول عام 2013.
وتضمن البيان الختامي التي حصلت شبكة «سي بي سي» الكندية على نسخة منه مواقف أخرى حول العجز في الموازنات الذي يعتبر القضية الرئيسية التي تواجه مجموعة العشرين.
وبحث المجتمعون في تورنتو ما إذا كان من الأهم بالنسبة للدول الحد من العجز عن طريق خفض الإنفاق أم أنه من السابق لأوانه خفض الإنفاق الحكومي لأن الانتعاش الاقتصادي ضعيف.
ومن البنود الأخرى في البيان الختامي، بحسب الشبكة، المشكلة التي واجهت اليونان في وقت سابق من هذا العام، عندما كان لا بد من إنقاذها لأنها كانت قريبة من الإفلاس.
وتعترف الوثيقة بأن البلدان ليست في الوضع نفسه من ناحية العجز، لذلك يجب أن تتكيّف السياسات مع ظروف كل بلد. كما وضعت في المسودة أيضاً معايير أشد صرامة بالنسبة للبنوك.
وفي وقت يتفق رؤساء الدول والحكومات العشرين على ضرورة دعم النمو، الا انهم ينقسمون حول السبل الفضلى لتعزيزه وترسيخه، في وقت يترتب عليهم الاتفاق على نص ختامي يرسم ملامح توافق يصعب التوصل إليه بينهم.
وقال المتحدث باسم الوفد الياباني كازوو كوداما مساء أول من أمس: «إننا نواجه ضرورة التقريب بين وجهات النظر المختلفة داخل مجموعة العشرين». فيما تدعو كندا التي تستضيف القمة الى اعتماد تعهد مرفق بارقام يقضي بخفض العجز في الماليات العامة الى النصف بحلول 2013 وخفض نسبة الدين العام من اجمالي الناتج الداخلي قبل العام 2016، وهو اقتراح يصلح بنظر الاوروبيين قاعدة للتوصل الى تسوية.
وقال رئيس المفوضية الاوروبية جوزيه مانويل باروزو «من المشجع ان تكون مجموعة الـ20 مستعدة للموافقة على تحديد اهداف»، مضيفاً «انه دليل حسن نية في تنسيق السياسات».
وان كان الاوروبيون عازمين على ابداء جديتهم في معالجة مشكلات العجز المالي، الا ان الاميركيين والدول الناشئة تخشى من جهتها ان يؤدي الاسراف في التقشف الى تكبيل النمو.
وبحسب البيان الختامي تم التداول بها خلال الاسبوع، فان مجموعة العشرين ستتحدث عن انتعاش اقتصادي «هش وغير متكافئ». وشدّد تيموثي غايتنر وزير الخزانة في القوة الاقتصادية الاولى في العالم السبت على ضرورة ان تتناول قمة تورونتو «بشكل جوهري النمو»، معتبراً أن «ندوب الازمة لا تزال موجودة»، في موقف يبدو وكأنه يعارض الموقف الاوروبي. وأوضح انه لا يعتبر كافياً وعد أوروبا واليابان بدعم الطلب في أسواقهما الداخلية.
وجاءت هذه التصريحات متوافقة مع كلام نظيره البرازيلي غيدا مانتيغا الذي يرأس وفد بلاده في غياب الرئيس لويس ايناسيو لولا دا سيلفا، وقد أعرب عن خشيته من أن «يركّز (الاوروبيون) اهتمامهم على تصحيح الموازنات بدلاً من ان يعملوا على تحفيز النمو».
وإن كانت مجموعة العشرين حددت مهمتها بإرساء «الأسس لنمو قوي ودائم ومتوازن»، فهي تبدو بعيدة عن تحقيق هذا الهدف على رغم بادرة الصين التي أعلنت تخفيف القيود على سعر صرف العملة الوطنية والجهود التي تعلن الولايات المتحدة بذلها لخفض الإنفاق.
وتريد مجموعة العشرين أن تقوّم أنظمة ضبط المصارف وغيرها من المؤسسات المالية باحتواء التجاوزات التي أدت الى قيام الأزمة، بما في ذلك فرض ضريبة على المصارف.
التحرك بحذر
الرئيس الصيني هو جينتاو دعا مجموعة العشرين إلى "التحرك بحذر، وبالطريقة المناسبة، بشأن الجدول الزمني ووتيرة إجراءات النهوض، وتوطيد نمط النهوض الاقتصادي العالمي". وتخلت مجموعة العشرين عن فكرة فرض ضريبة محددة على القطاع المصرفي، على قول جهات أوروبية روجت لها، وتعتزم المضي قدماً في هذا الصدد.
وبشأن إصلاح التنظيم المالي فهو يستند أساساً إلى ترسيخ المعايير الجوهرية المفروضة على المصارف. لكن هذا الموضوع سيكون في صلب القمة المقبلة في سيول في تشرين الثاني/نوفمبر.
في سياق مواز، أكد الرئيس الأميركي باراك أوباما أن قادة مجموعة العشرين الاقتصادية نجحوا في تحقيق استقرار الاقتصاد العالمي في أعقاب ركود عالمي مدمر في العام الماضي.
وقال بعد اجتماعه مع الرئيس الإندونيسي سوسيلو بامبانج يودويونو إن الحكومات لا تزال أمامها طريق طويل، يتعين عليها السير فيه، للمحافظة على استمرار الانتعاش الاقتصادي العالمي.
وأوضح الرئيس أوباما أنه من خلال العمل في إطار مجموعة العشرين "تمكنا من تحقيق استقرار الاقتصاد العالمي". لافتاً إلى وجود تحديات كثيرة لا يزال يتعين معالجتها.
تقشف اوروبي
دافع صناع القرار الأوروبيون عن خطط تقشف في الميزانية اليوم الخميس، قبيل قمة مجموعة العشرين، المتوقع أن تشهد دعوات إلى فرض قيود مالية، وذلك في وجه تحذيرات من أن تقليص الإنفاق يهدد الانتعاش الاقتصادي.
وقال جان كلود تريشيه رئيس البنك المركزي الأوروبي إنه من الخطأ افتراض أن تقشف الميزانية سيؤدي إلى ركود، وأكدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أن بلادها ستتمسك بخطط لتوفير 80 مليار يورو على مدى السنوات الأربع المقبلة، في أكبر برنامج لها لخفض الإنفاق منذ الحرب العالمية الثانية. وقالت ميركل في حديث "سنطبق هذه الإجراءات التي اتفقنا عليها".
وبعدما حظيت مجموعة العشرين بالإشادة لتوجيهها الاقتصاد العالمي للخروج من الأزمة المالية، ظهرت انقسامات بين أعضائها بشأن ما يتعين أن يلقى أولوية.. دعم النمو الضعيف أم تقليص عجز الميزانية.
ومازالت الأسواق قلقة، بسبب أزمة الديون ومخاطر تباطؤ الانتعاش الاقتصادي، في الوقت الذي يجري التحضير فيه لقمة زعماء مجموعة العشرين في مطلع الأسبوع المقبل، فارتفعت تكلفة ضمان الدين الحكومي من التخلف عن السداد إلى مستويات قياسية في اليونان، مع ارتفاعها في دول أخرى في أطراف الكتلة الأوروبية مثل البرتغال.
وتقول مسودة البيان الختامي لقمة تورونتو، التي حصلت عليها رويترز، والمؤرخة 11 من يونيو/ حزيران، إن الانتعاش "غير متوان وهش"، وحذرت من المبالغة في الشعور بالرضى. وتابعت المسودة أن "التحديات المالية في العديد من الدول تثير الاضطرابات في السوق، وقد تفسد الانتعاش، وتضعف آفاق النمو في الأجل الطويل".
وحذّرت الولايات المتحدة من التعجل بسحب خطط الدعم، مذكرة بما حدث عندما كبحت الحكومات الإنفاق في ثلاثينات القرن الماضي، فأطال ذلك أمد الكساد.
الدور السعودي
في المقابل، أكد محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي الدكتور محمد الجاسر أن المملكة العربية السعودية بادرت قبل الأزمة المالية العالمية بسداد الكثير من الديون، إضافة إلى حرصها على استقرار أسعار البترول العالمية وتطمين المستهلكين باستمرار الاستقرار في الأسعار.
وأوضح أن مشاركة المملكة في قمة مجموعة العشرين تكتسب أهمية خاصة لمكانتها، وللدور الذي يقوم به خادم الحرمين الشريفين في إقرار سياسات اقتصادية حكيمة خلال الأزمة الاقتصادية وبعدها، مفيداً أن قمة العشرين أنجزت أعمالاً مهمة، وتنتظرها أعمال مهمة أيضاً.
من جهته نوه وزير المالية السعودي الدكتور إبراهيم بن عبدالعزيز العساف في حديثه لقناة العربية على هامش مشاركة المملكة في قمة مجموعة العشرين بما تحظى به المملكة العربية السعودية من مكانة قيادية في العالمين العربي والإسلامي، حيث أقرت سياسة اقتصادية سمحت لها بالتعامل مع الآخرين مع الحرص على إبقاء الأداء الثابت لأصولها المالية في الخارج.
وأوضح العساف أن وجود المملكة في قمة العشرين هو حماية لمصالحها والتأثير في القرارات الدولية، مبرزاً أهمية ما قدمته و تقدمه المملكة من مساعدات وقروض خارجية. وشدد الجاسر على أهمية مشاركة المملكة في قمة تورنتو، مشيراً إلى السياسات الحكيمة لحكومة خادم الحرمين الشريفين الملك قبل الأزمة العالمية وبعدها، مذكراً بأن المملكة حافظت على استقرار وتطمين الدول الكبرى بحكم مكانتها الاقتصادية على المستوى العالمي.