كوالالمبور - أكد الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية جاسم البديوي اليوم الثلاثاء أن القمة الثلاثية بين مجلس التعاون ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) والصين تمثل حدثا استثنائيا وتعكس إدراكا مشتركا لأهمية تعزيز التشاور السياسي وتبادل الرؤى حول قضايا السلم والتنمية الاقتصادية وترسيخ الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.
جاء ذلك في كلمة البديوي في القمة الثلاثية حيث أعرب عن بالغ الامتنان لماليزيا على كرم الضيافة وحفاوة الاستقبال والتنظيم المميز لهذه القمة التاريخية التي ستشكل منطلقا لتعاون ثلاثي متجدد يستند إلى القواسم المشتركة ويخدم تطلعات شعوبها.
واضاف "أن مجلس التعاون لدول الخليج العربية احتفل قبل يومين بمرور 44 عاما على تأسيسه ويواصل بثقة مسيرته نحو تعزيز التنمية المستدامة وترسيخ السلم والاستقرار في المنطقة وتوسيع علاقاته وشراكاته مع الدول والمجموعات الدولية خصوصا مع الشركاء الآسيويين الذين تربطنا بهم علاقات حضارية وتاريخية ومصالح اقتصادية متبادلة في مجالات التجارة وسلاسل الإمداد والطاقة المتجددة والتكنولوجيا المتقدمة بما يعزز تطلعات شعوبنا نحو نمو مستدام".
وبين أن "القمة الثلاثية تعكس واقعا جديدا تؤكده أرقام لا تقبل التأويل حيث يمثل تعداد سكان دولنا أكثر من 14ر2 مليار نسمة أي نحو 27 في المئة من سكان العالم ضمن سوق يمتد من الخليج العربي إلى المحيط الهادئ ويحمل إمكانات استهلاكية وإنتاجية هائلة لا يمكن تجاهلها في معادلات الاقتصاد العالمي".
وذكر أنه على الصعيد الاقتصادي يبلغ الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون و(آسيان) والصين أكثر من 24 تريليون دولار أمريكي أي ما يعادل أكثر من 22 في المئة من الناتج العالمي مع توقعات بنمو سنوي يتراوح بين نسبة 4 و6 في المئة حتى عام 2030 مدفوعا بالتحول الرقمي والطاقة النظيفة وسلاسل التوريد الذكية.
وأشار إلى أنه على مستوى التبادل التجاري فقد بلغ حجم التجارة بين دول مجلس التعاون وكل من الصين و(آسيان) معا نحو 347 مليار دولار في عام 2023 وهو ما يشكل أكثر من ثلث تجارة مجلس التعاون مع دول العالم قاطبة مع مؤشرات واضحة على أن هذا الرقم قد يتجاوز 500 مليار دولار بحلول عام 2030 في ظل تصاعد الشراكات القطاعية وتحرير الأسواق.
ولفت البديوي إلى "أن هذه الأرقام في مضمونها هي دعوة واضحة لتفعيل الشراكة وتعميق الثقة وبناء نموذج تنموي يقوم على تشارك الفرص واستدامة العوائد".
وأوضح أن "التجربة لدينا قد أثبتت القواسم المشتركة ما يفوق التباينات وأننا قادرون من خلال هذه الشراكة الثلاثية على تأسيس علاقات تقوم على الاحترام المتبادل والتكافؤ والسيادة والمنافع المشتركة وتسهم في إرساء دعائم الاستقرار الإقليمي والدولي ومواجهة التحديات العالمية" وأردف قائلا "من جهة أخرى فإن علاقاتنا مع الصين تشهد نموا متسارعا وتطورا نوعيا حيث إن القمة الخليجية الصينية الأولى في الرياض أسفرت عن اعتماد خطة العمل المشترك (2023-2027) التي غطت طيفا واسعا من مجالات التعاون ".
واستعرض الأمين العام عددا من المجالات التي تحظى باهتمامٍ مشترك من الدول كتعزيز أمن الغذاء والطاقة في مواجهة التقلبات الجيوسياسية وتسريع التحول الرقمي من خلال إنشاء مراكز ابتكار وتمكين تقني مشترك ومواجهة تغير المناخ بالاستثمار في الطاقة النظيفة.
ولفت إلى أن من أكثر القضايا إلحاحا في الوقت الحاضر هي مأساة قطاع غزة حيث نتطلع إلى نجاح المفاوضات الجارية حاليا لوقف القتال والإفراج عن الرهائن واستئناف إيصال المساعدات الإنسانية مؤكدا أن الحل المستدام يكمن في التسوية العادلة للقضية الفلسطينية التي تفضي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة وفق قرارات الأمم المتحدة ومبادرة السلام العربية.
كما تطرق البديوي إلى التهديدات المتزايدة في البحر الأحمر وخليج عدن التي تمسّ مصالح التجارة العالمية وأمن الطاقة والحاجة إلى موقف دولي موحد لحماية الممرات المائية وضمان حرية الملاحة والتصدي للقرصنة والاعتداءات والتدخلات الخارجية التي تقوض أمن المنطقة وفقا للقانون الدولي واتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار.
واختتم البديوي كلمته بأن "ما يجمعنا اليوم اقتصاد قوي وتعداد سكاني ورؤية مشتركة تتجاوز الحسابات الضيقة نحو بناء نظام إقليمي أكثر عدلا وتوازنا واحتراما لحقوق الشعوب في التنمية والأمن والكرامة مغتنمين هذه اللحظة لنحولها إلى بداية عميقة لشراكة استراتيجية تمتد نحو المستقبل بثقة وتسهم في صياغة عالم أكثر توازنا وإنصافا واستدامة"