عربي دولي

القمة البريطانية - الأوروبية الأولى .. خطوة نحو شراكة جديدة بين الجانبين

من مروان بلطرش (تقرير اخباري) لندن -  في ضوء توجهات لإعادة ضبط العلاقات بين الجانبين تستعد لندن لاستضافة قمة تاريخية بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي غدا الاثنين ستكون الأولى من نوعها منذ خروج المملكة المتحدة (بريكسيت) من التكتل الأوروبي عام 2020.
وترى لندن أن القمة المرتقبة تمثل محطة مهمة لاسيما في ظل سعي الحكومة العمالية التي انتخبت العام الماضي على أساس برنامج تعهد بإقامة "علاقة محسنة وطموحة مع شركائنا الأوروبيين" إلى مد جسور التواصل المنتظم مع الاتحاد الأوروبي.
ويكتسي هذا الاجتماع الذي تم التحضير له مطولا اهمية كبيرة للجانبين لكونه يعطي مجالا للتفاوض بشأن جميع الملفات سواء المختلف حولها كبعض النقاط الفنية ضمن اتفاقية خروج المملكة المتحدة من التكتل الأوروبي واتفاقية (إطار ويندوز) الملحقة او القضايا المتفق عليها والمتعلقة أساسا بالأمن والدفاع المشترك ومعها تداعيات الحرب الاوكرانية.
كما يتوقع استنادا لتصريحات بريطانية وأوروبية متفرقة ان يبحث الاجتماع قضايا اخرى لا تقل اهمية وفي مقدمتها امن الطاقة والطاقات المتجددة فضلا عن حماية البيئة وخفض الانبعاثات الكربونية إلى جانب مواءمة معايير سلامة الأغذية ومعايير الصحة الحيوانية والنباتية.
ورغم أن التكتم عن تفاصيل اجندة القمة يبقى سيدا للموقف فإن تصريحات سابقة لرئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر والوعود التي اطلقها قبل انتخابات العام الماضي تشير إلى توجه لندن وبروكسل إلى توقيع "معاهدة امنية ودفاعية" جديدة تعوض الارتباط الامني الوثيق الذي كان بينهما قبل ان يفكه اتفاق (بريكسيت) بعد الاستفتاء بشأن الخروج من الاتحاد عام 2016.
وما يعزز هذه الرؤية اكثر هو تقارب وجهات النظر الأوروبية والبريطانية بشأن الحرب الروسية - الاوكرانية ودعمهما اللامشروط لكييف في مقابل خلافاتهما المشتركة حول ذات القضية مع الادارة الأمريكية وتحديدا مع الرئيس دونالد ترامب ولاسيما تعاطيه "الايجابي" مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين.
إلى جانب ذلك يجد الطرفان الأوروبي والبريطاني نفسيهما امام ضغط قديم ومتجدد من الرئيس ترامب الذي يطالب بمساهمات اكبر من الدول الأوروبية العضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو) مما دفع بعض القادة الأوروبيين وعلى رأسهم الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون للمطالبة بوضع آلية جديدة للدفاع الأوروبي المشترك.
ومع ان المملكة المتحدة تعتبر مثلما يتردد دائما على لسان مسؤوليها حلف الناتو العصب الرئيسي والوحيد للدفاع الاوروأطلسي غير ان إبقاءها الخيارات مفتوحة امام تعزيز التعاون الدفاعي الوثيق مع أوروبا يبدو وفق خبراء خيارا لا مفر منه لعدة اعتبارات استراتيجية ترتبط اولا بموقعها الجغرافي ضمن الفضاء الأوروبي وثانيا بمستقبل الناتو في ضوء تراجع الدور الأمريكي فيه.
وإضافة الى ذلك يواجه الطرفان تحديات مشتركة تتركز اساسا حول الثغرات المالية الكبيرة في ميزانيات الدفاع وتنسيق عمليات التسليح ولذلك أطلق الاتحاد الأوروبي برنامج (اعادة تسليح أوروبا) بميزانية قدرها 150 مليار يورو (نحو 167 مليار دولار) لأجل تمكين الدول الاعضاء من تحديث قواتها المسلحة.
ويعتقد خبراء من معهد الدراسات الاستراتيجية في لندن (تشاثم هاوس) ان ضم بريطانيا إلى هذا البرنامج ولو على مراحل سيكون امرا منطقيا للجانبين لأنه لا يمكن بحث الامن الأوروبي العام دون اشراك المملكة المتحدة وهي من اقوى الدول عسكريا في المنطقة.
وعلى النقيض من ذلك يسود اعتقاد بأن سهولة تسويق الشراكة الدفاعية والامنية بالنسبة للحكومة البريطانية ستقابلها صعوبة بالغة في التفاوض بشأن العلاقات التجارية التي تتطلب شرطين أوروبيين لا غنى عنهما هما حرية تنقل الاشخاص والمساهمة في ميزانية الاتحاد الأوروبي.
وكما هو معلوم فقد ادى دخول اتفاقية (بريكسيت) حيز التنفيذ قبل خمسة أعوام إلى وقف حرية تنقل الاشخاص من الجانبين باستثناء السياحة وتوقفت ايضا مدفوعات لندن في ميزانية التكتل الاوروبي وانتهت معها امتيازات السوق الأوروبية المشتركة وحرية تنقل البضائع.
ولذلك سيكون من غير المتوقع ان تحقق القمة تقدما ملموسا في الجانب التجاري ربما باستثناء تذليل مزيد من العقبات الفنية أمام عبور السلع من بريطانيا برا عبر ايرلندا الشمالية إلى جمهورية ايرلندا العضو في الاتحاد الاوروبي دون مراقبة جمركية ما يعني التزاما بريطانيا بمطابقة اكبر لتلك السلع مع المعايير الأوروبية.
ولا يمكن في هذا السياق إغفال الوضع الذي يجد رئيس الوزراء البريطاني نفسه فيه على المستوى الداخلي وخاصة مع صعود "أسهم" حزب (اصلاح بريطانيا) اليميني بقيادة نايجل فاراج الذي كان احد ابرز قادة حملة الخروج من الاتحاد الاوروبي عام 2016 ولا يزال يظهر إلى اليوم عداء للاتحاد الاوروبي والمهاجرين على حد سواء.
وبسبب هذه المواقف المتشددة نجح هذا الحزب الذي تأسس قبل ايام فقط من انتخابات يوليو الماضي في الفوز بخمسة مقاعد في البرلمان قبل ان يقلب الساحة السياسية قبل أسبوعين عندما اكتسح الانتخابات البلدية الجزئية وألحق خسائر فادحة بحزب العمال الحاكم بقيادة ستارمر وحزب المحافظين.
وتعني هذه النتائج بالنسبة لستارمر ان التقارب مع بروكسل في القضايا الامنية والدفاعية سيحظى بشبه إجماع داخلي ولن يثير حفيظة الكثيرين لكن التعاون في الملفات الاخرى التي تقتضي انخراطا ولو جزئيا في المعايير والإجراءات الأوروبية ستمثل مراهنة لا يمكن تحمل تبعاتها في المواعيد الانتخابية المقبلة.
وبحسب بيان للمجلس الأوروبي سيمثل الاتحاد الأوروبي في هذه القمة رئيس المجلس انطونيو كوستا ورئيس المفوضية اورسولا فون ديرلاين والممثل الاعلى للاتحاد الاوروبي للشؤون الخارجية والسياسية الامنية كايا كالاس بينما يمثل الجانب البريطاني رئيس الوزراء كير ستارمر وكبار وزراء حكومته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى